سقوط نظرية «هم يقولوا ونحن نطنش»!

TT

كان نظام الرئيس المصري السابق هو صاحب نظرية الحرية الإعلامية القائلة «خليهم يحكوا»، أي دع الصحافة تقول ما تقول، فلها حرية النقد وللدولة حرية التطنيش، وها هو النظام المصري يدفع ثمن تلك النظرية الفاشلة.

فبعيدا عن جدلية الأرقام، ونسب من هم في ميدان التحرير من المتظاهرين، وهل هم يمثلون كل المصريين أم لا، فإن الواضح هو أن النقد الإعلامي، والحديث عن الفساد، والخلل والقصور في المؤسسات المصرية وأدائها دون حلول حقيقية، قد أدى إلى احتقان شعبي لدى شريحة كاملة من الشعب التي ترى الخلل أمامها دون إصلاح رغم كل ما ينشر في الإعلام. فالنظام اعتقد أن سياسة التنفيس، «وخليهم يتكلموا» ستنفس الأمور وتحول دون لحظة الانفجار. وهذا كلام غير صحيح، ودليل فشله هو ليس حجم المتظاهرين، بل إصرارهم على الصمود.

فنظرية حرية النشر مقابل حق التطنيش من قبل الدولة المصرية ثبت فشلها؛ فثورة الشباب، وتأييد شريحة عريضة من الشعب لهم، تثبت ذلك. وبالطبع، فلا يمكن أيضا أن تقوم الحكومة المصرية، أو غيرها في العالم العربي، باتباع سياسة التكميم والقمع اليوم في ظل كل وسائل الاتصال الحديثة، وانفتاح الإعلام الذي لا يمكن السيطرة عليه كما كان يحدث في السابق. وبالتالي، فإن الحل هو أن تنفض الحكومات العربية عن نفسها غبار الكسل، وتحارب قصورها، وفسادها، وتتعاطى مع المشكلات بشكل جدي، فلو أنفقت كثير من الحكومات العربية على الإصلاح الوقت نفسه والجهد الذي تنفقه على النفي والتبرير لكان الحال العربي أفضل بكثير، ولو استجابت الحكومات لنقد الصحافة، بل واستغلتها كعين رقابية لها، لكان الوضع أفضل بكثير أيضا، وجنب دولنا كثيرا من المشكلات. درس مصر كبير، ولو تأمل العقلاء الأخطاء التي وقع فيها النظام، وهي كثر، فسيجد أن أبرزها هو أن حرية التطنيش لها عواقب وخيمة، حيث الاحتقان، وترسيخ اليأس لدى المواطن، مما يجعل البلاد معرضة لخسائر كبيرة.

مصر دولة كبيرة، مكانا وحجما وسكانا، وكذلك فكرا، لكن رأينا كيف أن النظام قد عجز عن فهم شبابه، وكيف يفكرون، فالرئيس مبارك اعترف بالشباب متأخرا، حيث استهل خطابه الثالث بتوجيه الحديث إلى شباب ميدان التحرير. واللواء عمر سليمان تعهد، قبل تنحي الرئيس، بالحفاظ على مكتسبات ثورة الشباب، وحتى الصحف الغربية لم تكن تسميها «ثورة» ذاك الوقت، بينما أقر سليمان بأنها ثورة، وهذا دليل على أن النظام قد أدرك أنه لم يكن يفهم أكثر من نصف شعبه، لأنه لم يكن ينظر لهم بجدية، بل كان يتعامل معهم بالتطنيش. وكيف ينظر لهم بالجدية ما دام شخص مثل الدكتور بطرس غالي يقول لصحيفة «المصري اليوم» إنه يعتقد أن من يقف خلف المظاهرات تنظيم أجنبي وقد يكون جناحا شيوعيا، أو وهابيا، أو شيعيا، أو صهيونيا.. تخيلوا، فهل هناك عبث وسخف أكثر من هذا، خصوصا عندما يصدر هذا الحديث من دبلوماسي كان وزير خارجية، بل كان أمينا عاما للأمم المتحدة؟

ولذا نقول إنه قد سقطت نظرية «لهم حق أن يقولوا، ولنا حق التطنيش»، وثبت أن لها ثمنا باهظا، فهل نستفيد من الدرس؟

[email protected]