الرفاق و«الإخوان»

TT

توجد بين الفوازير الإنجليزية التقليدية واحدة تتعلق بأوجه الشبه والاختلاف بين المتناقضات. يسألونك ما وجه الشبه بين الشيوعيين والإخوان المسلمين على الرغم من كل تناقضهما؟ فتجيب بأن كليهما يتبنيان شعارات غير واقعية ولا يمكن تطبيقها.. يشمل هذا كل برنامج «الإخوان»، ولكنهم أعطونا مثالا آخر خلال الأزمة المصرية الأخيرة. قالوا يجب حل هذه الأزمة من قبل المصريين دون تدخل أجنبي.

المقصود به هنا طبعا التدخل الأميركي. بيد أننا نعرف أن الأميركيين ظلوا لعدة أيام واقفين على التل ينتظرون عبثا من المصريين أن يتفقوا على زعامة أحد ينقل إليه الحكم ولم يحصل. ولو بقي الأمر لهم لقضوا أشهرا يتجادلون ويتنازعون ويتركون البلاد من دون حكومة.

آمل أن بعض قرائي يتذكرون مدى كرهي لأميركا. ولكنني آمل أيضا أن يتذكروا مدى حبي للحقيقة والواقع. والحقيقة والواقع هي أننا نلنا استقلالنا قبل الأوان. فسلمنا مصائرنا بيد أناس إما مخلصين سذج أو حرامية أذكياء وتصرفنا في شؤوننا تصرف السفهاء. النتيجة هي أننا وقعنا في ورطة بعد ورطة ونكسة بعد نكسة. وكلما أوقعنا أنفسنا في ذلك، رحنا نتباكى كالأطفال ونزحف على ركبتنا خاشعين تائبين نحو القوى الكبرى نتوسل إليها أن تنقذنا من ورطتنا وتصلح أمرنا وتمدنا بالصدقات والقروض، بل وحتى بقوت يومنا.

تمر بضعة أشهر ثم نبدأ بالصراخ ثانية: الاستعمار رأس بلائنا.. الجلاء مطلبنا. لا نريد الأجنبي يتدخل في شؤوننا... وتتكرر الدائرة.

الحقيقة هي أن مشكلتنا تعود إلى أن الأجنبي لم يتدخل في شؤوننا بما فيه الكفاية. تمد أميركا مصر والعراق بمبالغ طائلة. كان عليها أن تحاسب المسؤولين عن مصير هذه الأموال. إنهم يعرفون جيدا تحركات الأموال في البنوك. كان عليهم أن يسألوا المسؤولين: من أين جئتم بهذه الأموال؟ كان بإمكانهم أن يهددوهم بخصمها من المساعدات. كان بإمكانهم أن يحملوا البنوك على عدم قبول مثل هذه الودائع. كانوا يرون بأعينهم معاناة الشعب الناتجة من كل هذا الفساد. ولم يفعلوا أي شيء.

اكتشفت الدول الأوروبية قبل سنوات أن المساعدات التي كانت تقدمها للسلطة الفلسطينية والدول الأفريقية كانت تذهب في جيوب مسؤولين، فقررت عدم تسليمها لهم وإنما توظيفها مباشرة في استثمارات تفيد السكان وأقامت أجهزة تراقب وتحاسب كيف تصرف هذه الأموال. هذا ما كان على الأميركان أن يفعلوه. دعونا نعترف بهذه الحقيقة: إننا شعوب تراثها قائم على الفساد. والواحد منا لا يهمه غير نفسه وغير أسرته، لا يشعر بمسؤولية حقيقية تجاه شعبه ووطنه. هذه المسؤولية تتطلب أجيالا من الزمن لتغرس في ضمائرنا. إلى متى نغالط ونكابر ونغش الناس؟

بالطبع، سيعترض «الإخوان» وكل الوطنجية والقومجية والإسلامجية على كلامي هذا. ويتهمونني بالخيانة والعمالة. ولكنني لم أكتب هذا لهم. أوجه كلامي للدول التي تتعامل معنا وتقدم مساعدات لنا وتزج نفسها في شؤوننا.