يا مبارك.. الله يذكر عهدك بالخير

TT

أنا أدرك أن هذا العنوان مستفز لمئات الملايين في مصر وفي طول العالم العربي وعرضه التي طربت الجمعة الماضي وانتشت لانتصار الإرادة الشعبية على الاستبداد والفساد، لكنه القلق الشديد على هذه التجربة الوليدة أن توأد في مهدها لأن فشلها فشل لأي تغيير محتمل في بعض دول العالم العربي التي تعاني من حالة محبطة من الاستبداد والفساد المالي والإداري، فلو انزلقت مصر- لا سمح الله - في مرحلة ما بعد مبارك إلى الفوضى، أو انقلب العسكر فحكموا بقبضة من حديد ملتهب، أو ارتكس الاقتصاد ومؤشر النمو، أو ازداد معدل الفقر والبطالة. عندها - لا سمح الله - سيردد الشعب المصري «الله يذكر عهدك بالخير يا مبارك» أو قول الشاعر:

رب يوم بكيت فيه فلما

صرت في غيره بكيت عليه

وعندها سينتشي كل مستبد ليردد نفس عبارة حسني مبارك «أنا، أو الفوضى»، وهي ذات العبارة التي استخدمها بن علي وقبله فرعون حين حذر من موسى عليه الصلاة والسلام فقال «إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد».

لقد سئمت الشعوب العربية من ترويعها بنماذج إخفاق التغيير في كل من العراق والصومال وأفغانستان، حتى صارت هذه الدول الثلاث فزاعة لكل من يطمح إلى التغيير أو محاربة الفساد خشية من التحول إلى ما هو أسوأ، ونقول بكل تجرد إن لكل متخوف من هذه المآلات المخزية بعض الحق، فأغلب شعوب هذه الدول الثلاث تحن إلى العهود السابقة (صدام في العراق وزياد بري في الصومال والحقبة الشيوعية في أفغانستان)، نعم تحن إلى الأمن والاستقرار على الرغم من سطوة هذه الأنظمة وديكتاتوريتها ودمويتها وفسادها مقارنة بواقعها الحالي المضطرب في كل شيء، ولهذا نريد أن نزيل هذه الصور النمطية البليدة، يحدونا أمل أن يكون للتجربتين التونسية والمصرية مسار حضاري مختلف عن أي مسار متخلف. ولا يعني الحرص على إنجاح الثورتين في مصر وتونس أن يتم استنساخهما كربونيا في بلدان عربية أخرى، بمعنى أن تندلع مظاهرات ومواجهات وتسيل دماء وتدمر منشآت عامة حتى تستطيع بعض الدول العربية التخلص من الاستبداد والفساد، إطلاقا لا، ولكن المقصود أن تدرك بعض الدول العربية ذات الأحوال المشابهة لمصر وتونس أن ما جرى في هاتين الدولتين ليس «كلاما فارغا» كما تصور ببلاهة وزير الخارجية المصري السابق أبو الغيط.

على بعض الدول العربية أن تأخذ زمام المبادرة قبل أن تضطر لعرض حزمة من التغييرات والإصلاحات في الوقت المتأخر كما فعل حسني مبارك وقبله بن علي ولات ساعة مندم، لكم أن تتصورا لو أن حسني مبارك أقدم قبل 25 يناير (كانون الثاني) على إعادة الانتخابات البرلمانية، وعدل بعض مواد الدستور، وسمى نائبه سليمان، وحل الحكومة القديمة، وألغى قانون الطوارئ، وأخرج المعتقلين السياسيين، لأمكنه أن يجنب بلده خطر الانزلاق لهاوية الفوضى، وأن ينعم ببقية أيامه في السلطة وأن يمكث هو وأسرته في بلاده بعد نهاية مدته الحالية معززا مكرما وأن يموت فيها، لكنه تصور ومستشاروه أن ما جرى في بلدان أخرى «كلام فارغ» فأخذه الطوفان الشعبي هو وجنوده، فلم يترك حتى للموت خيارا.

[email protected]