ما يمكن أن تتعلمه أميركا من مصر

TT

إنه يوم جديد في العالم العربي، ونأمل أن يكون كذلك في العلاقات الأميركية مع العالم العربي.

في الواقع، كانت الولايات المتحدة في موقع متأخر ليس داخل تونس ومصر فقط خلال الأسابيع القليلة الماضية، ولكن داخل منطقة الشرق الأوسط بالكامل على مدار عقود. لقد دعمنا شخصيات استبدادية فاسدة شريطة المحافظة على تدفق النفط وعدم تبني نهج عدواني إزاء إسرائيل. وخلال الشهر الماضي، كنا نبدو في بعض الأحيان لا صلة لنا بشباب المنطقة كما كان حال بن علي ومبارك. ومع الاعتراف بأن صياغة السياسة الخارجية أصعب بمقدار 1000 مرة مما يبدو، اسمحوا لي باقتراح أربعة دروس نستفيدها من أخطائنا:

1) لنتوقف عن التعامل مع الأصولية الإسلامية كفزاعة، والسماح لها بدفع السياسة الخارجية الأميركية، إذ إن الخوف الأميركي من التأسلم ألحق ضررا يماثل ما أوقعته الأصولية الإسلامية نفسها.

لقد دفع ذلك الولايات المتحدة إلى غض الطرف عن الغزو الإثيوبي للصومال عام 2006، الذي كان كارثيا للصوماليين، وأفرز المزيد من التطرف الإسلامي هناك. وفي مصر، جعلتنا هواجسنا من التأسلم نعاني من نوع من الشلل، ووضعتنا على الجانب الخاطئ من التاريخ.

نضع أنفسنا في مشاكل عندما نتصرف وكأن الديمقراطية مناسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، ولكنها ليست مناسبة للعالم العربي. وقد تعاملنا مع العالم العربي لفترة طويلة وكأنه مجرد حقل نفط.

ويعتقد عدد كبير جدا من الأميركيين بفكرة نمطية ترى دولا عربية غير مناسبة للديمقراطية، أو أن المنتفعين من حكم الشعب سيكونون متطرفين مثل أسامة بن لادن. لقد قضى التونسيون والمصريون على هذه الفكرة النمطية، وسيكون الخاسر الأكبر تنظيم «القاعدة». لا نعلم ما يكمن في المستقبل داخل مصر، وتوجد احتمالية كبيرة بأن يحاول هؤلاء الموجودون في السلطة المحافظة على نهج مبارك من دون مبارك، ولكن برهن المصريون بالفعل على قوة عدم استخدام العنف بصورة تقضي على أي كلام عن التطرف. وسيكون من الرائع أن نرى ما إذا كان المزيد من الفلسطينيين سيؤمنون بالاحتجاجات الجماعية غير العنيفة داخل الضفة الغربية كاستراتيجية لمواجهة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وعمليات الاستيلاء على الأرضي.

2) نحن في حاجة إلى استخبارات أفضل، ليست من نوع تلك الاستخبارات التي نستقيها من اعتراض مكالمات رئيس مع خليلته ولكن عبر التواصل مع من ليسوا في السلطة. في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، كان هناك تحليل مؤلم تناول سبب عدم انتباه الهيئات الاستخباراتية للكثير من الإشارات، وأعتقد أننا في حاجة إلى نفس الأمر اليوم.

وبصراحة، داخل المجتمع الصحافي عانينا من نفس نوع القصور، حيث لم ننقل بصورة مناسبة حالة الغضب تجاه حسني مبارك. تذكرنا مصر بعدم التمسك بالكلام عن استقرار أي مكان يشهد حالة من السكون.

3) غيرت تقنيات جديدة من آليات الثورة، وجعل موقعا «فيسبوك» و«تويتر» التواصل أسهل بالنسبة للمعارضة. وتعني أجهزة التليفون الجوالة أن وحشية الحكومة يحتمل أن ينتهي بها المطاف على موقع «يوتيوب»، وهو ما يرفع من تكلفة القمع. وتجعل المحكمة الجنائية الدولية الديكتاتوريين يفكرون جيدا قبل أمر الجنود بإطلاق النيران.

وربما تكون التقنية الأكثر أهمية - وهذا أمر صعب على شخص مثلي - هي التلفزيون. وقد كسرت قنوات تلفزيونية فضائية عربية مثل قناة «الجزيرة» الاحتكار الحكومي للمعلومات داخل مصر. غالبا ما يسخر أميركيون من «الجزيرة» (لا توجد خدمتها بالإنجليزية إلا على القليل من النظم الكابلية)، ولكنها لعبت دورا كبيرا في الترويج للديمقراطية داخل العالم العربي أكثر مما قامت به الولايات المتحدة.

ويجب أن نستثمر المزيد في هذه التقنيات المعلوماتية، والوسيلة المثلى من أجل إحداث تغييرات داخل إيران وكوريا الشمالية وكوبا ستشمل برامج وأجهزة تليفونات محمولة وخوادم بروكسي للتغلب على عوائق الإنترنت. ويخصص الكونغرس مبالغ صغيرة من أجل تعزيز حرية الإنترنت في العالم، وربما تكون هذه المبادرة وسيلة أكثر تأثيرا في ترسانة السياسة الخارجية.

4) لنرتق إلى مستوى قيمنا. لقد تبنينا نهجا سياسيا داخل منطقة الشرق الأوسط لم يحقق لنا النجاح. وقد كانت كوندوليزا رايس محقة عندما قالت في مصر عام 2005: «على مدار 60 عاما سعت دولتي، الولايات المتحدة، من أجل تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية داخل هذه المنطقة، هنا في الشرق الأوسط، ولم نحقق لا هذا ولا ذلك».

لا أعرف الدولة التي ستلي مصر. ولكننا نعرف أنه داخل أماكن كثيرة يوجد شعور متجذر بعدم الرضا ورغبة في مشاركة سياسية أكبر. ودرس التاريخ من 1848 إلى 1989 أن الانتفاضات تنتشر وترتد من دولة إلى أخرى. وفي المرة المقبلة، يجب ألا نجلس على مقعد المتفرج.

بعد مرحلة غاب فيها الحسم، تحدث أوباما يوم الجمعة عقب رحيل مبارك. ودعم بصراحة سلطة الشعب، وأوضح أن المصريين هم من سيحدد المستقبل. ولنأمل أن تكون هذه بداية جديدة لمصر وللسياسة الخارجية الأميركية إزاء العالم العربي، إن شاء الله.

* خدمة «نيويورك تايمز»