تاريخ جديد مع الغد

TT

اكتملت الصورة وتمت الدائرة وأنجز الانقلاب العسكري في مصر على الرئيس حسني مبارك كتتويج لثورة الشباب الهائلة التي لا تزال مذهلة للعالم. رفض الرئيس حسني مبارك قراءة الغضب العارم الذي تأجج في الشارع وخصوصا بعد أن تم القبض على رموز الفساد والكشف في الإعلام المحلي عن أحجام التجاوزات المالية مما أثار غضبا عظيما جدا على مبارك والنظام بصورة عامة.

الجيش المصري يحكم البلاد اليوم ولمرحلة انتقالية «فقط» كما أوضح بشكل جلي. الجيش اليوم غير الجيش الذي قام بانقلاب 1952 وأسس لحكم ديكتاتوري مقيت، سلب الناس حقوقهم وأمم أرزاقهم وأقام السجون والمعتقلات وحكم المباحث والاستخبارات. الجيش اليوم «اكتسب» موقعه في قلوب الشعب بالممارسة العاقلة ورعاية المصالح ونصرة الحق وقال الكلمات السحرية في بياناته الأولية بأنه سيعمل على تطبيق النظام والقانون والدستور على عكس انقلاب 1952 الذي قام على شرعية ثورية فألغى بالتالي دستور 1923 العظيم الذي كان نتاج ثورة 1919 الوطنية.

اليوم سيعيش العالم ويترقب انتقال مصر من جديد للحكم المدني والعبور الدقيق لهذه المرحلة الإصلاحية بتعديل وضع البرلمان والدستور ليعكس رغبات الناس ويحق العدل الذي غاب. هناك عمل إعجازي قام به الشباب أولا في تونس وثانيا بشكل مبهر وأكبر في مصر. لقد كانت ثورة شبه مثالية خالية من العنف وواضحة المطالب بالغة الإصرار عليها، حتى بعد أن تخلى حسني مبارك عن منصبه هب الشباب ينظفون ميدان التحرير ومواقع التجمعات الأخرى ويزيلون الأوساخ والقاذورات منه ويدهنون ما تم إتلافه من أرصفة وجدران وأسوار بشكل حضاري ومدهش ومبهر، بل وزادوا على ذلك أنهم (وهم الجيل الرقمي الجديد) وزعوا على أنفسهم وغيرهم رسائل بالهاتف الجوال وعلى مواقع الإنترنت تقول إنهم سيبدأون بداية جديدة مبادئها: لا تدفع رشوة، اعرف حقك واطلع عليه، لا تلق بالمهملات في الشارع، لا تقطع إشارة، لا تغازل امرأة أو تتحرش بها، لا تغضب.

حماس الشباب يولد الأمل ويحقق المراد. الشباب هم الذين كانوا ينادون بالأمل وبالحق ويدافعون عنهما ضد الظلم وهم الذين حموا البلاد حينما غابت الشرطة أمام اللصوص و«البلطجية» المعتدين. قوة الحراك الإيجابي الأعظم اليوم في العالم العربي تأتي من جيل الشباب، شاهدناها في تونس وفي مصر وحتى في كارثة سيول جدة كان المتطوعون الشباب هم الذين يديرون المرور ويغيثون المحتاج ويؤوون المتأذي بشكل حضاري وإنساني ومسؤول يستحقون الإشادة والتقدير والتكريم عليه.

كتابة المستقبل في العالم العربي بدأت والعرب مقدمون على مرحلة جديدة ومبشرة ومهمة، مرحلة يتم فيها رسم خارطة طريق واضحة المعالم لغد أكثر جمالا من حاضر لم يتم الوصول فيه إلى المراد المطلوب وكان مليئا بالإحباط والخلل.

شيء جميل قدمته تونس وشيء أجمل قدمته مصر وهو أن الأمل كبير وموجود في جيل هائل من الشباب كان يقدم دوما على أنه «تافه وغير مسؤول» وأثبت العكس بشكل جميل.

بن علي هرب وحسني مبارك تنحى والشعوب كتب لها تاريخ جديد مع الغد وهذا هو المهم.

[email protected]