الإعلام ومهمة البحث عن الحقيقة

TT

يلعب الإعلام ورجاله دورا مهما في تعزيز الديمقراطية من خلال تزويد الرأي العام بالأخبار اليومية عبر تغطيتهم للأحداث الجارية، مهما كلفهم هذا العمل من تضحيات وعرض حياتهم لمخاطر البحث عن الحقيقة في بلدان التعتيم الإعلامي ووسط الانتهاكات الجسيمة لحرية التعبير عن الرأي، التي يتعرض لها العاملون في هذا الميدان.

وبما أن الإعلام يبحث عن حرية الرأي ليتمكن من كشف الحقيقة، فإن أعداء الحقيقة الذين يخشون كشفها، وفي مقدمتهم الأنظمة الديكتاتورية، سيقومون بمحاولة التضييق ومحاربة جنود البحث عن الحقيقة من خلال عرقلة عمل الصحافيين والمراسلين الإعلاميين، باستخدام وسائل كثيرة، أهمها وضع القوانين التي تكبل حرية هؤلاء وتحد من حركتهم وتعرضهم للعقوبات الكبيرة في حال كشفهم لأمور تعمل الأطراف الأخرى على إخفائها. وعلى الرغم من وجود القوانين التي جاءت في السنوات الأخيرة لحماية الصحافة والإعلام فإنها تبقى رهينة ضبابية النصوص وتبقى صعبة التطبيق في ظل وجود شعارات كثيرة، منها «المصلحة الوطنية العليا»، التي تنتهك الكثير من الحقوق تحت جلبابها.

وفي قراءة سريعة لأحد القوانين المصرية، نجد أن القانون رقم 96 لعام 1996 الذي ينظم موضوع الصحافة ينص على معاقبة من يقوم بتشويه السمعة بالسجن لمدة سنة، والسجن لمدة سنتين إذا ما قام مسؤول حكومي بمقاضاته. بينما تنص مواد أخرى في قانون العقوبات على معاقبة الصحافيين بالسجن، إذا ما «انتهكوا الآداب العامة» و«أضروا بالمصالح العامة». المشكلة الأولى هي إعطاء صفة جنائية لعقوبة الصحافي المخالف للقانون، إضافة إلى أن المشكلة الثانية لا تتعلق بالقانون فحسب، بل بتفسيره والجهة التي تقوم بتفسيره، فهو محاط بالكثير من الضبابية، فتشويه السمعة لا يستطيع أحد أن يميز بينه وبين كشف الفساد المالي والإداري لدى المسؤول، فمن المؤكد أن أي اتهام للمسؤول سيعد من باب تشويه السمعة بما يؤدي بالصحافي إلى السجن. إضافة إلى سؤال مهم آخر في هذا الجانب، وهو: من الذي يقرر أن ما يقوم به الصحافي يضر بالمصالح العامة أو بالآداب العامة؟

فوفقا لتقرير نشرته لجنة حماية الصحافيين في عام 2002، تم الحكم على سبعة صحافيين بالسجن بتهم القذف وجرائم أخرى في الفترة ما بين عام 1998 وعام 2001، وهو توجه ازداد في الفترة الأخيرة. في الوقت الذي ضمنت فيه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حرية التعبير عن الرأي، حيث نصت على ما يأتي: «لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون تقيد بالحدود الجغرافية».

ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى أن الصحافي والإعلامي تعرض في ساحات الحدث في مصر إلى عنف مباشر عبر الضرب والتهديد وتكسير المعدات بطريقة مبتكرة لمحاربة الحقيقة عبر رجال الأمن الذين تنكروا في زي متظاهرين مدنيين لنسجل حالة جديدة من حالات انتهاك حقوق حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة.

وحسب التقارير التي نشرتها وكالات الأنباء العالمية، فإن هناك الكثير من الإعلاميين الذين كانوا يغطون الأحداث في ميدان التحرير ومناطق أخرى من مصر قد تعرضوا للخطف والسجن والاعتداء من قبل أجهزة الأمن المصرية بطرق مختلفة إضافة إلى تعليق التراخيص التي يحملونها وغلق الكثير من القنوات الفضائية وقطع البث عبر الأقمار الصناعية وقطع الاتصالات.

وبالتأكيد فإن هذه الممارسات ستزيد من الصورة المعتمة لحرية الرأي والتعبير والصحافة في منطقتنا العربية مع الاختلاف النسبي بين الأنظمة الديكتاتورية في التعامل مع هذا الجانب، ولكنها في المحصلة النهائية لم تعمل على إيجاد التشريعات والقوانين التي تحمي الصحافيين وتضمن حرية الصحافة في بلدانها. خلاصة القول إن الاحتجاجات في مصر إنما خرجت للمطالبة بحقوقها المشروعة وإن منع وسائل الإعلام من نقل الأحداث ليس الحل الأمثل لإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها وإنما الحل في إعطاء المزيد من الحريات لإجراء حوار بناء مع الأطراف الأخرى التي خرجت من أجل الحصول على حقها في التعبير ورغبتها في التغيير عبر إصلاحات حقيقية في جميع المجالات وأهمها حق الإنسان في التعبير عن رأيه بحرية ليطالب بحقوقه في العيش بكرامة.

* كاتبة عراقية وناشطة

في منظمات المجتمع المدني