الجوانب الإيجابية للثورة المصرية

TT

تخيل مصر تعارض الغرب باستمرار في المحافل الدولية، بينما تشن حملات دؤوبة ضد إسرائيل وحكومة مصرية تغذي إعلامها بمعاداة السامية الحقيرة وتجمد العلاقات مع إسرائيل، وتجعل من رفض «التدخل» الأميركي في شؤونها الداخلية علنا عادة.. إنه نظام يسمح لحماس بإدخال أطنان من الذخيرة والصواريخ الإيرانية الصنع إلى قطاع غزة.

ستكون هذه حكومة حسني مبارك، وهي نفسها الحكومة التي دعمتها الولايات المتحدة بعشرات المليارات من الدولارات على حساب تشويه صورة أميركا بين الديمقراطيين وجيل الشباب المحبط في الشرق الأوسط. إذا كانت مصر على مشارف انتقال حقيقي للديمقراطية، فالسياسة الخارجية قد لا تتغير إلى الأفضل كثيرا من وجهة النظر الأميركية، لكن من المرجح أن لا تصبح أسوأ.

في الواقع تتجاهل التكهنات الكئيبة بشأن تولي الإسلاميين السلطة أو انتهاء النفوذ الأميركي، الجوانب الإيجابية المحتملة للثورة المصرية. سوف تحقق الولايات المتحدة من المكاسب ما يفوق الخسارة من انتشار الحرية في الشرق الأوسط مثلما حدث عندما تحولت آسيا وأميركا اللاتينية إلى النظام الديمقراطي. وفي النهاية قد تكون الفوائد عظيمة.

الفائدة الأولى ستكون كشف احتيال دام ثلاثين عاما على من قبل النظام المصري السابق. لقد كان ذلك يستند إلى فكرة أن المعونة الأميركية العسكرية غير المشروطة والتغاضي عن الاستبداد كانا ثمنا لا بد من دفعه لضمان تنفيذ مصر معاهدة السلام مع إسرائيل والحصول على «مساعدتها» في ما يتعلق بحماس و«دعمها» عملية السلام في الشرق الأوسط. الواقع أن مبارك حافظ على السلام البارد مع إسرائيل، التي زارها مرة واحدة خلال 29 عاما، لأن ذلك كان يصب في مصلحة مصر. ونظرا لعدم مطالبة مصر بأي أرض، لم يكن هناك أي دافع لدخول حرب ضد إسرائيل. كذلك قدرة الجيش المصري أقل من أن تجعله يواجه الجيش الإسرائيلي في القرن الواحد والعشرين. قد تكون حكومة مصرية ديمقراطية غير ودودة مع الدولة اليهودية، لكنها لن تلغي معاهدة السلام. وإذا سمحت لحماس بتهريب أسلحة إيرانية أو فتحت الحدود مع قطاع غزة، ستختلف قليلا عن مبارك. أما في ما يخص عملية السلام، فأي حكومة جديدة سوف ترث تركة من وعود قطعها مبارك لواشنطن لكن لم يتم الوفاء بها؛ لقد تعهدت مصر خلال السنوات الأخيرة بمنع حماس من الاستيلاء على قطاع غزة ومنه تهريب الأسلحة عبر الأنفاق والتوصل إلى مصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية وعقد اتفاق لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الذي تعتقله حماس، لكنها لم تحقق أيا من ذلك.

لذا؛ ستكون أولى ميزات مصر الديمقراطية حكومة تتحمل مسؤولية سياستها بدلا من تحميل الولايات المتحدة تلك المسؤولية وابتزاز واشنطن. كذلك سيتعين عليها الدفاع عن سياساتها أمام شعبها. فعلى سبيل المثال سيكون هذا دافعا للتحقق من فكرة معاداة السامية عوضا عن الترويج لها.

الميزة الثانية ستكون نهاية عهد كان الإعلام العربي والكثير من الشعوب يحملون فيه الإدارة الأميركية مسؤولية حدوث جانب كبير من أعمال التعذيب والرقابة وأشكال القمع الأخرى. لم تغذِ هذه الصلة التوجه المعادي لأميركا في المنطقة فقط، بل مثلت دافعا لإرهابيين مثل أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة.

لقد كان من المعتاد تلوث سمعة الولايات المتحدة بجرائم الأنظمة الديكتاتورية في البرازيل وكوريا الجنوبية وتركيا. والآن بعد أن أصبحت تلك الدول التي تحولت إلى دول ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، لا تزال علاقتها بالولايات المتحدة جيدة. قليلون هم من يحملون واشنطن المسؤولية عن سياسات تلك الدول، فأحيانا يكون من الصعب التعامل معها وأحيانا تصوت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على نحو غير صحيح، لكنها تؤمن بالقيم الأميركية وتحارب الإرهاب. من المرجح أن تسير مصر الديمقراطية على نهج تلك الدول لا نهج إيران أو فنزويلا غير الديمقراطي. يقودنا هذا إلى الخاسرين في عملية التحول في مصر، وهم: المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، وعملاء طهران في سورية ولبنان. سينهي التحول الذي تمر به مصر نموذج الحكم العربي الاستبدادي بعد أن ظل في مصر لمدة ستين عاما تقريبا. إلى متى سيصمد الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي على رأس نظام مبني على نموذج جمال عبد الناصر في عالم عربي ديمقراطي؟ وماذا سيكون رد فعل الإيرانيين، الذين فشلت ثورتهم عام 2009، على انتصار إرادة الشعب في القاهرة؟

يساور البعض في واشنطن قلق من أن مصر ستسير في طريق الثورات السابقة، وقد يحدث هذا. أحيانا يتم اختطاف الثورات، والارتداد إلى نظام الحكم السلطوي أمر وارد أيضا مثلما حدث لأوكرانيا بعد سبع سنوات من «الثورة البرتقالية». لكن تاريخ الشرق الأوسط والعالم يشير إلى أن المدّ سيكون في الاتجاه الآخر، وستُحدث مصر تحولا في المنطقة إن عاجلا أو آجلا، وستستفيد الولايات المتحدة من ذلك.

* خدمة «واشنطن بوست»