ثورة ميدان التحرير تخيب آمال خامنئي وتطلب حماية الجيش

TT

رحبت السلطات الإيرانية بثورة الشباب في ميدان التحرير بالقاهرة منذ بدايتها، وشبهها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، بالزلزال الذي يجتث «موظفي الولايات المتحدة من القادة العرب». وقال خامنئي في خطبة الجمعة في 4 فبراير (شباط) الحالي: «لقد استغرقت الشعوب الإسلامية وقتا حتى تتمكن من محاكاة التجربة الإيرانية، لكن السياسات الإيرانية الثابتة المناوئة للولايات المتحدة أثارت إعجاب الكثيرين من الشعوب المقهورة في العالم، وقد أثبت الثوار في مصر وتونس أن الثورة الإسلامية صارت مثلا يحتذى»، («الشرق الأوسط» 8/2/2011)، ورغم أن شباب ميدان التحرير رفضوا فكرة الثورة الإسلامية، مصرين على أن ثورتهم تهدف إلى بناء نظام ديمقراطي علماني، فقد ازدادت آمال القيادة الإيرانية في أن تسير الثورة المصرية على خطى ثورة إيران الإسلامية من قبل.

فعندما قام الطلاب الإيرانيون بالثورة على حكم الشاه رضا بهلوي سنة 1978، كانت أهدافهم هي نفس أهداف ثوار القاهرة، تحقيق الديمقراطية والعدالة، وكان الطلاب الثائرون من الماركسيين الشيوعيين وجماعة «مجاهدين خلق». لكن آية الله الخميني الذي كان عندئذ خارج البلاد، أعلن تأييده لثورة الطلاب ودعمه لمطالبهم، كما طلب من أتباعه من الإسلاميين الانضمام إلى حركة الطلاب المعادية للشاه. وبعد أن قامت الأجهزة الأمنية بقمع المظاهرات بالقوة وأعلن الشاه الأحكام العرفية في سبتمبر (أيلول)، نظم الطلاب مظاهرات مليونية في ديسمبر (كانون الأول) انتشرت في جميع أنحاء البلاد، وطالب الإسلاميون زعيمهم الخميني بأن يعود من باريس لقيادة الثورة في طهران. وعندما غادر الشاه بلاده في يناير (كانون الثاني) 1979، عاد الخميني إلى طهران في بداية الشهر التالي حيث استقبلته جماهير الثوار استقبال الأبطال. ورغم ما قاله الخميني عند عودته من رغبته في ترك الحياة السياسية والاعتكاف في مدينة قم، فسرعان ما أعلن آية الله قيام الدولة الإسلامية في إيران بعد شهرين فقط من نجاح الثورة المعادية للشاه. وعندما سيطر رجاله على زمام الأمور في البلاد، لم يقبل الخميني بتعدد الأحزاب وقام بتصفية الشباب الذين قاموا بالثورة في البداية باعتبارهم أعداء الله.

ورغبة منها في تنسيق المواقف مع حلفائها والعمل على أن يصبح مصير ثورة شباب ميدان التحرير في مصر هو ذات المصير الذي انتهت إليه ثورة طلاب إيران، بعثت الحكومة الإيرانية مدير مكتب الرئيس الإيراني - إسفنديار مشائي - إلى دمشق، حيث سلم الرئيس بشار الأسد رسالة من أحمدي نجاد، كما التقى مشائي بعدد من قيادات الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق للتنسيق معها، وبحث معهم «سبل تعزيز المقاومة» الفلسطينية في هذه المرحلة.

وفي نفس الوقت تعرضت محافظة شمال سيناء إلى هجمات قامت بها جماعات مسلحة منظمة مجهولة الهوية، للقضاء على جهاز الأمن التابع للسلطة المصرية هناك، مستخدمين الأسلحة الآلية وقذائف «آر بي جي». وبينما كان الشباب يتظاهر سلميا في ميدان التحرير، قام بعض المجهولين بقطع الطريق الدولي الموصل بين مدينة العريش - عاصمة شمال سيناء - ومدينة رفح المصرية على الحدود مع قطاع غزة، مستخدمين الإطارات المطاطية المشتعلة. وبعد ذلك أعلنت سلطة حماس في غزة أنها تعتبر منطقة الحدود مع مصر منطقة عسكرية، وقامت بنشر قوات مكثفة قرب بوابة صلاح الدين الحدودية. ثم أعلنت حماس أن عددا من المعتقلين الفلسطينيين لدى السلطات المصرية - من بينهم عناصر من كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس - تمكنوا من الهرب من السجون المصرية في شمال سيناء. وفي الخامس من فبراير قام بعض المسلحين بمهاجمة محطة تغذية خط الغاز المتجه إلى الأردن والمنطقة الصناعية بوسط سيناء، باستخدام عبوات ناسفة جرى تفجيرها بالتحكم عن بعد.

وكما حدث في الثورة الإيرانية، انضم شباب «الإخوان المسلمين» إلى ثورة الشباب المصرية، وأعلنوا أنهم يريدون إسقاط النظام وتعيين رئيس محكمة النقض مشرفا على مرحلة انتقالية، يسلم الحكم بعدها للقوة السياسية التي تحصل على الأغلبية في الانتخابات. ولما كان الشباب الذين قاموا بالثورة لا ينتمون إلى حزب أو تنظيم كما أن بقية الأحزاب المصرية لم تتمكن من تنظيم نفسها حتى الآن بسبب حالة الطوارئ، فإن التنظيم الوحيد الذي يستطيع الآن الحصول على هذه الأغلبية بعد سقوط الحزب الوطني هو جماعة «الإخوان المسلمين». فبعكس الأحزاب الأخرى التي لا تستطيع عقد اجتماعات لتنظيم صفوفها، فإن «الإخوان» يستخدمون المساجد مقار لاجتماعاتهم ولديهم عدة أجهزة منظمة تلتئم فور صدور التعليمات إليها.

ورغم انضمام مندوبين عن جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الوفد الذي التقى اللواء عمر سليمان في السادس من فبراير بمقر مجلس الوزراء، للبحث في سبيل للخروج من الأزمة السياسية، فقد رفضوا التوقيع على البيان الذي صدر بعد ذلك. وبينما كان شباب الثورة يعلنون مطالبهم سلميا في ميدان التحرير، قامت جماعة تنتمي إلى «الإخوان» في 30 يناير باقتحام سجن وادي النطرون، وأفرجوا عن 34 سجينا من أفراد الجماعة. وقال محمد أسامة مدير مكتب «الإخوان» إن «أقارب السجناء اقتحموا سجن وادي النطرون على بعد 120 كيلومترا شمال غربي القاهرة وحرروا بضعة آلاف من السجناء». («الشرق الأوسط» 31/1/2011)

لكن الوضع تغير بعد ذلك عندما طالب ثوار ميدان التحرير بضرورة إشراف الجيش المصري على عملية نقل السلطة إلى حكومة مدنية يتم تشكيلها بعد إجراء انتخابات حرة وإنهاء حالة الطوارئ، ثم سلم الرئيس مبارك سلطات الرئاسة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وهكذا خيب شباب ثورة مصر آمال المرشد الأعلى الإيراني في أن تتحول ثورة ميدان التحرير إلى نظام خميني جديد في مصر، كما ضمنت قيادة الجيش معاهدات الدولة المصرية مع دول العالم وتعهدت بنقل السلطة السياسية إلى حكومة مدنية.