دور الأم

TT

الآن وقد سقط الرجل، خذ على حكايات وعلى فضائح وعلى ثروات. عندما سقط الملك فاروق كنت في الحادية عشرة، وصرت كلما وقعت على صحيفة أقرأ عن فضائحه. وسألت مرة خالي عما جرى، فقال لي وهو يشيح بوجهه خجلا: «لقد ضبطوا لديه مجلات خليعة»! ومات عبد الناصر فقام طوفان من الكتابات عن النكسة و5 يونيو (حزيران) وعبد الحكيم عامر وبرلنتي عبد الحميد. واغتيل السادات وتكرر الطوفان وكتابات الخبراء والعمداء. والآن لا جديد. هذه ليست عادة مصرية قديمة، هذه طبيعة بشرية لا تتغير. ونشهدها في لبنان من يوم إلى يوم وليس من عهد إلى عهد.

وإذا كان لي من رأي في كل ذلك، فهو بسيط وتقليدي وقروي. المسؤولية الأولى، ضعف الرئيس مبارك أمام عائلته. والثانية ضعف عائلته الفاقع أمام المغريات. العائلة، أو جزء منها، أقنع الرئيس بضرورة البقاء في القصر حتى اليوم الأخير، وأقنعه بالضرورتين، التجديد والتوريث. وكلاهما قاتل للعائلة كلها.

الأم التي تحب ابنها تتمنى له كنز القناعة. تحمد الله كل يوم على ما بلغه الجميع من راحة ومن جاه. تتضرع إلى الله أن يحمي العائلة من عيون الحسد لا أن يفتح عليها عيون النقمة والتذمر. لا أدري ما هو الدور الذي لعبته الأم في عائلة الرئيس مبارك. لكنني أعرف أن المرأة في العالم العربي تخلط بين موقعها العائلي وموقعها الوطني.. فإن كونها زوجة الرئيس لا يعني أن لها موقعا رسميا أو وطنيا. فالرئيس هو الذي انتخب، وليست زوجته ولا أبناؤه. لكن السيدة جيهان السادات تصرفت، خلال حياة زوجها وبعدها، على أنها شريكة في حكم مصر وصنع سياساتها. والسيدة سوزان مبارك كان لها في الصحف الرسمية كل يوم، صورة وهي تقوم بعمل أهلي ما.

الدساتير لا تلحظ وجود السيدة الأولى، فهذا ليس من شأنها. ونحن في لبنان لم نشاهد صورة زوجة فؤاد شهاب، وبالكاد شاهدنا صورة زوجة شارل حلو تدشن ميتما أو مستشفى خاصا. واختارت سيدات أخريات في المقابل طريق الصفحات اليومية. لكن نحن لسنا مصر في أي حال.

لم تلحق بعائلة السيدة سوزان مبارك الأقاويل التي أحاطت بعائلة زوجة زين العابدين بن علي. ولكن مشكلة سوزان مبارك أنها كانت أما أكثر مما يجب أو أقل مما ينبغي. وكلاهما واحد. كان يجب أن تدرك، بحدس الأم، وبتجربة زوجة الرئيس، أن المغامرة بشد الحبال سيئة العواقب. وأن الولاء للزوج يكون بردعه لا بدفعه، ومحبة الابن بحمايته لا برفع الحواجز من أمامه.

كان هناك خيار آخر، أكثر بساطة وأكثر جمالا وأكثر سلامة. مؤسف أن العائلة لم تره!