الموقف المصري من كامب ديفيد

TT

استعجلت القيادة العسكرية المصرية فأصدرت بيانها الذي أكد على احترام المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعتها مصر، وبه أسكتت الدعوات المطالبة بإلغاء اتفاق كامب ديفيد فور إسقاط الرئيس حسني مبارك وحكومته. ولم تصدر اعتراضات من أي من الأطراف الثورية أو الموالية لها بما فيها الجماعات المعارضة لها.

فلماذا فعلت القيادة العسكرية ذلك حتى قبل أن تكمل الثورة يومها الثاني؟

لا بد أن الليلة التي غادر فيها مبارك قصر الرئاسة كانت إسرائيل قد رفعت حالة الطوارئ واستنفرت المؤسسات العسكرية والسياسية الغربية ترقب الحدث، ولأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصري يضم قادة يعرفون تفاصيل اتفاقية كامب ديفيد والتزاماتها كانوا يعرفون خطورة الصمت. ربما كانوا حريصين على عدم إعطاء ذريعة للإسرائيليين لفتح جبهة في منطقة منزوعة السلاح في وقت ينشغل الجيش المصري بمهام حماية الداخل المضطرب. أيضا كان الإعلان الرسمي بالتزام مصر يعفيها غدا من مسؤولية أي خرق للاتفاق قد يحدث بشكل فردي من الجانب المصري أو ربما من تدبير جماعات تريد توريط مصر الثورة في معركة مبكرة مع إسرائيل.

ورغم أن البيان التطميني والاتصالات الهاتفية مع تل أبيب هدأت من قلقها، فإن العلاقة مع إسرائيل واتفاقية كامب ديفيد ستبقى قضية مؤجلة إلى ما وراء الانتخابات الموعودة. وفي رأي أحد المعلقين الإسرائيليين أن المؤسسة المصرية أكبر من كل الثورات وقادرة على استيعاب الصدمات، أي إن السياسة الخارجية لمصر لن تتغير والعلاقة ستستمر رغم أن النداءات من داخل مصر وخارجها ستزداد؛ تطالب بموقف مصري معاد لإسرائيل بما يحتمل الموقف من تصعيد سياسي وتراجع في الالتزامات.

وقبل أن يحلف الرئيس الجديد اليمين ويتم انتخاب مجلس الشعب بعد نصف عام من الآن، ستبقى القيادة العسكرية هي صاحبة القرار الأخير حتى ذلك الحين. وخلال الأشهر الفاصلة ستواجه مواقف صعبة، مثلا هناك بارجتان إيرانيتان تريدان عبور قناة السويس هذا الأسبوع، فهل سيعترض طريقهما؟ الأرجح لا. إسرائيل بدورها تعتزم بناء جدار مع مصر لمنع المتسللين فهل ستعارضه القاهرة؟ بالتأكيد لا. ستقوم السلطة الفلسطينية بإجراء انتخابات رغم اعتراض حماس عليها فهل سيكون هناك دور مصري - كما كان في الماضي - توفيقي؟ مستبعد ذلك. ماذا سيكون موقف الحكومة المصرية المؤقتة والقيادة العسكرية لو شنت إسرائيل حربا جديدة على غزة؟ هذا تحد حقيقي لا ندري له جوابا.

ينتظر مصر العديد من التحديات الخارجية وأي قرار تتخذه سيصبح له تبعات صعبة داخليا وخارجيا، ومع أنه لم ترفع في الثورة المصرية أي مطالب أو احتجاجات في الشؤون الخارجية فإن مواقف الدولة ستلقي بظلالها على الشارع وستثير الاحتجاجات في كل جمعة. إن أقصى ما يمكن أن تفعله القيادة السياسية والعسكرية هو الامتناع عن الظهور مع القيادات الإسرائيلية حتى تحصل على دعم أو منع شعبي، كقرارات برلمانية تلزمها بذلك. هذا هو الفارق بين حكم الفرد وحكم المؤسسة حيث كان مبارك لوحده يقرر ويتحمل تبعات مواقفه. في مصر الجديدة لن يكون سهلا أن تقرر أي قيادة الخوض في أي شأن حيوي دون الحصول على موافقة شعبية.

[email protected]