هل سيعمل الجيش المصري مع الشعب؟

TT

القاهرة - في الظاهر، تبدو الأشياء تعود إلى الوضع الطبيعي، حيث فتحت المحلات التجارية من جديد، وعادت الأتربة والضوضاء بمستويات كبيرة. وعاد سائقو الدراجات البخارية إلى عاداتهم الخطيرة ليسيروا بسرعة على طول الأرصفة بهدف تجنب الازدحام المروري الملحمي.

ويوم السبت تمكنت من احتساء الشاي بسلام داخل مقهى الحرية بمنطقة باب اللوق بعد تجديد المقهى، فقبل أسبوع واحد شهدت هذه المنطقة معارك ضارية بين محتجين وبلطجية استأجرهم الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.

ولا يزال المناخ فيه آمال اللحظة الثورية، فقد بعث رحيل الرئيس حسني مبارك مساء الجمعة - والذي تبعته احتفالات صاخبة استمرت لأيام بعد ذلك - لدى المصريين شعورا بالكرامة وأملا في مستقبل أفضل.

ولكن تحت السطح نجد أن الأشياء تبعد كثيرا عن كونها أشياء طبيعية، فالنصر الذي حققه المحتجون ترك فراغا سياسيا وحالة من الضبابية وشعورا بالخوف من المستقبل.

ويملأ الفراغ في الوقت الحالي شريكان غير محتملين يتعايشان في قبول مشترك قلق وتحفه الشكوك. فعلى جانب، يوجد المجلس العسكري الأعلى، ومعظمهم ضباط بارزون في الجيش يقتربون من سن التقاعد. ويتواصل هؤلاء حاليا مع المصريين من خلال بيانات عسكرية يومية محكمة الصياغة باللغة العربية الرسمية، وتتم إذاعتها على التلفزيون والإذاعة التابعين للدولة.

وعلى الجانب الآخر، يوجد محتجون شباب، وهم أذكياء في التعامل مع وسائل الإعلام ومبتكرون سياسيا وعاقدون العزم على إيجاد ظروف تساعد على مستقبل ديمقراطي أكثر شمولا ومعتمدا على احترام حقوق الإنسان. وتمثل انتفاضتهم ثورة جيل، مثلما هي ثورة سياسية. ويتواصل هؤلاء باللغة العامية المصرية بشعارات قوية أو عبر موقعي «فيسبوك» و«تويتر».

تبدت هذه العلاقة المحتدمة بين هذين القطبين صباح يوم الأحد عندما وصلت الشرطة العسكرية إلى ميدان التحرير، وفتحته أمام المرور المزدحم، وطلبت من المحتجين الباقين الرحيل.

وبعد مواجهة صاخبة جدلية ولكنها كانت جيدة نسبيا واستمرت لعدة ساعات، انسحبت الشرطة العسكرية.

وفي وقت لاحق خلال نفس اليوم جاء البيان رقم 5 الذي جاء فيه تعطيل العمل بالدستور وحل البرلمان، وهما الإجراءان اللذان حظيا بترحيب من جانب الكثير من المحتجين وأنصارهم، لأنه كان ينظر إلى الأمرين على أنهما أثرين فقدا مصداقيتهما يعودان إلى حقبة مبارك.

ومن المحتمل، فيما يبدو، أنه مع تراجع وجود المحتجين بسبب هجوم حركة المرور على ميدان التحرير، ستستمر المواجهة السياسية بين المحتجين والجيش خلال الأشهر المقبلة.

ولكن التحول من حقبة النظام السابق القمعية (والتي ظهرت بصورة واضحة من خلال أعمال عنف استخدمت ضد المحتجين خلال الأسابيع الثلاثة الماضية) إلى دولة مصرية ديمقراطية جديدة ليس مطمئنا بأي حال.

يعتمد الانتقال السلس بصورة جزئية على مدى استطاعة الحكام العسكريين إقناع المصريين بأنهم جادون في الانفصال عن نظام تعسفي ساد خلال العقود الثلاثة الماضية وخلق ظروفا جديدة يمكن للمصريين فيها بناء دولة مصرية ديمقراطية تنعم بالحرية.

وعلى الرغم من احترامهم الكبير للجيش كمؤسسة، يشك الكثير من المصريين لسبب وجيه في أن الحكام العسكريين الجدد ما زالوا يمثلون مصالح الجهاز الحاكم القديم.

وعلاوة على ذلك، فإنه مع تعليق العمل بالدستور وحل البرلمان، فإن المجلس العسكري الأعلى يحكم حاليا من دون أي متابعة رسمية لسلطاته.

ومن جانبهم، يستوعب المحتجون حاليا أن لديهم القدرة على حشد المواطنين وإخراج مصر إلى الشوارع مع أول بادرة يشعرون خلالها بأن تحولهم الديمقراطي يتم تقويضه. إن سلطة الشعب هي عنصر الرقابة الفعالة لسلطة الجيش.

وبالطبع هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به من أجل تحقيق انتقال مستقر من القمع إلى الديمقراطية. وتوجد أهمية كبيرة في الظروف الحالية للحصول على التزام واضح من الجيش، قولا وفعلا، بأنه سيراعي حكم القانون ويطلق سراح المعتقلين ويقف ضد ممارسات التعذيب البربرية التي كان لها دور كبير في إثارة هذه الاحتجاجات مع احترام حقوق الإنسان، ومن بينها حرية التعبير وحرية التجمع.

تطالب الحركة المناصرة للديمقراطية - وهي في الواقع تحظى بدعم شعبي واسع النطاق - بهذه الالتزامات. وفي الواقع، تعد هذه الالتزامات شيئا ضروريا إذا كان السلطات الانتقالية ترغب في خلق الظروف اللازمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة تحظى بمصداقية.

وستساعد هذه الالتزامات أيضا على بناء الثقة وتحقيق الاستقرار في فترة الحكم العسكري الحالية التي تحفها المخاطر. ولنأمل أن نرى التزامات حقيقية تتعلق بحقوق الإنسان والمحاسبة في البيانات العسكرية التالية.

* مدير «هيومان رايتس ووتش» داخل بريطانيا ومراسل الشؤون الخارجية سابقا داخل القاهرة

* خدمة «نيويورك تايمز»