الثورة وغياب دور المثقف العربي

TT

لا يمكننا مطالبة المثقف العربي، الذي يقف إلى جانب الأنظمة الحاكمة التي قامت بأدلجة الثقافة والمثقفين لصالحها، بموقف إيجابي لصالح الانتفاضات والثورات الشعبية التي تقودها الشعوب ضد الأنظمة الديكتاتورية، على الرغم من أن هناك ارتباطا وثيقا بين الثقافة والإبداع، والثورات الشعبية، بشرط أن يكون الإبداع هنا مرتبطا بأحلام الناس وتطلعاتهم وأن يكون المبدع مرتبطا بإنسانيته، بعيدا عن الالتحاق بالسلطة ومؤسساتها القمعية والتعبوية، وبعيدا عن المصالح الشخصية والفئوية التي تحول الإبداع إلى سلعة وتجارة في إطار مصالح آنية تزول بزوال الأشخاص.

ومن البديهي أن تزداد الحاجة لدور مهم للمثقف كلما ازدادت التحديات التي تواجه الشعوب والمجتمعات باعتباره إنسانا يتميز عن باقي أفراد المجتمع بقدرته العالية على التفكير وإدراك الخطر والتحديات التي يتعرض لها المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه وقدرته على التعبير بما يؤثر على قناعات الناس ومساعدتهم في تكوين الآراء واتخاذ المواقف المطلوبة منهم، حيث يعد النقد أحد أهم أبعاد دور المثقف، سواء كان نحو السلطة وسياساتها القمعية أو كان موجها لأي فكر سياسي أو ديني أو اجتماعي.

إلا أن علينا أن نعترف بأن الأنظمة عبر التاريخ قد اكتشفت هذا الدور المهم للمثقف، فقامت بمصادرته عبر الكثير من الممارسات والإجراءات، كان في مقدمتها القمع والعنف ضد أي أفكار وثقافة مضادة لفكر وثقافة الحاكم وسياساته، وتهميش المثقفين الحقيقيين لصالح آخرين التحقوا بركب الطغاة، عبر انتمائهم للمؤسسات التي حاولت السلطة احتواءهم من خلالها، وهذا ما تمثله وزارة الثقافة في كثير من دولنا العربية التي عملت على تجسيد فكر الطغاة من خلال تسخير الثقافة والأدب والإبداع لصالح هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على أحلام الشعوب ومصائرهم..

ومن الأهمية بمكان أن نقول إن ما يحدث اليوم في تونس ومصر من ثورة واحتجاجات كان نتاج حاجة الشباب العربي للعيش بكرامة، ولم يكن نتاجا لأي نشاط آخر أسهم فيه المثقف العربي أو السياسي المعارض، وهذا يثبت غياب دور هؤلاء لعقود طويلة، خاصة المثقف الذي اندمج مع السلطة وربط وجوده بها وببقائها.

وخلال العقود الماضية عملت الثقافة العربية على تسخير جهودها لبناء قناعات وأجواء تنذر بوجود الخطر الخارجي وضرورة الاستعداد له، إضافة إلى إشغال الرأي العام بالقضية المركزية وحروب الردة والولاء لولي الأمر، الذي يرتبط حبه بحب الوطن وضرورة التضحية بالأرواح والدماء في سبيل كل هذه القناعات التي يتطلب تحقيقها موت الشباب تحت شعار «نموت نموت ليحيا الوطن»، بعيدا عن بناء ثقافة حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي والعيش بكرامة ورفض الظلم.

إلا أن الشباب العربي اكتشف اليوم أنه قبل أن يفكر في أي شيء، عليه التحرر أولا من قيود الفقر والبطالة والذل، وأن ذلك لن يتحقق من خلال الهجرة وترك الأوطان، كما كان يفعل الشباب العربي، بل من خلال إزالة الحكومات بكل مفاصلها ومفكريها ومؤسساتها، كي نتمكن من إثبات أن الدماء والموت لا يساعدان إلا في تأخر الدول، وأن ما يسهم في تقدمها هو عرق أبنائها وإبداعاتهم، حين يشعرون بأنهم ينتمون فعلا لوطن يعترف بقيمتهم الإنسانية ولا يعتبر المواطن فيه مجرد نسمة أو رقم من الممكن أن يضحى به.

خلاصة القول.. إن غياب المثقف بات واضحا في المشهد العربي في العراق وتونس ومصر، لأنه نسي رسالته الإنسانية وربط نفسه بالأنظمة الديكتاتورية التي سترحل وتترك له تركة ثقيلة ووزر الدماء التي أراقتها تلك الأنظمة، في ظل تأييده لها طيلة سنوات حكمها.

* كاتب عراقي