لنبق أعيننا مفتوحة

TT

قبل الانقلابين في مصر وتونس، كانت الرغبة في متابعة الحوارات والتجمعات الدائرة على موقعي «تويتر» و«فيس بوك» فيها نوع من الحشرية الشخصية والتلصص، ممزوجة برغبة المعرفة والاطلاع. لكن اليوم بات الأمر حاجة معرفية استشرافية خالصة قد لا يستقيم تقييمنا للواقع العربي الحالي من دونها. ومع ما يجري في إيران واليمن والبحرين والجزائر وربما لاحقا المغرب وسورية فقد يحتاج المرء لأكثر من دقائق تصفح سريعة ليبقى على تماس مع ما يعتمل أحيانا بهدوء وأحيانا أخرى بكثير من الصخب في مجتمعاتنا.

لم يعد سرا أن شرائح واسعة تتطلع إلى تغيير مماثل لما أحدثه التونسيون والمصريون. وما لا يقال عبر الإعلام الرصين والإخباري يقال علنا ومن دون تمويه عبر المجتمعات الموازية، وأقصد بها تلك التي اشتعلت بقوة عبر «تويتر» و«فيس بوك» و«يوتيوب». هناك تعج النقاشات والجميع يدلي بدلوه، الغث منه والسمين. فليس بلا دلالة أن يرتفع عدد المنتسبين المغاربة إلى موقع «فيس بوك» وأن يتنادوا إلى تحرك ما في العشرين من الحالي، وليس من باب الاستسهال أن يلحظ المرء كيف تعكف مجموعات شبابية سورية ويمنية وبحرينية على محاورة شبان تونسيين ومصريين يستلهمون منهم الأساليب التي اعتمدوها في تحركاتهم من حيث الشعارات وتوحيد الرموز وبعض التفاصيل اللوجيستية الأخرى وكيفية التعامل مع القنابل المسيلة للدموع وتكتيكات الكر والفر لدى المواجهة مع قوى الأمن وتفاصيل عدة أخرى.

دعوات التغيير انطلقت لتطال الجميع، والتفاعل معها إلكترونيا، على الأقل، بلغ مستويات غير مسبوقة، لكن الاستجابات التي حصلت ما زالت محدودة وغير فعالة.

فلماذا نجح في تونس ومصر ما يبدو أنه أكثر صعوبة في طهران والبحرين وسورية ودول أخرى؟ علما بأن الشعارات التي قامت عليها تحركات الشبان في البلدان مماثلة، بل قد تكون في بلد كسورية مثلا أكثر إلحاحا لجهة المؤشرات الاقتصادية ولمؤشر الحريات..

ليست الصعوبات التقنية وحدها هي ما تواجهها رغبات التغيير؛ فلكل بلد خصوصياته في مجالات أخرى. القبضة الأمنية في مصر ليست هي نفسها في طهران، وموقف الجيش في تونس قد لا يشبه موقف الجيش في سورية.

هناك أيضا مستوى آخر للتفاوتات.. إنه الانقسامات الأهلية؛ فالبلدان اللذان نجحت فيهما حركة الاحتجاج، وهما تونس ومصر، يشوبهما تجانس اجتماعي سهل إمكانية التحرك؛ بحيث بدت الشعارات الاجتماعية ورفض الفساد وتطلب الحرية أمورا لا انقسام أهليا حولها. اليمن ليس نموذجا لهذا الاحتمال، والجزائر قد تستيقظ فيها هويات إثنية.

مع ذلك، فإن تبسيط ما يجري في العوالم الموازية هذه وعدم الانتباه له ليسا من الحكمة في شيء.

تحت وطأة الحدثين التونسي والمصري أتاحت الحكومة السورية «فيس بوك»، متخلية بذلك عن ذريعة كانت قد استعملتها في سياق المنع قبل ثلاث سنوات وتتمثل بحماية الشباب السوري من احتمال اختراق إسرائيلي لعقولهم.

الأرجح أنه بات على الأنظمة التفتيش عن أسباب مقنعة أخرى لتضبط غضبات كثيرة يبدو أنها مقبلة لا محالة.

diana@ asharqalawsat.com