حمولة الفيل

TT

ليس لدي أي سبب شخصي أو شبه شخصي أو عام، للدفاع عن الرئيس حسني مبارك. ولا أعتقد أن مبارك أثار انبهار أحد، أولا وأخيرا. ولكن هذا الانقضاض على الرجل يتخذ أشكالا مضحكة لكثرة ما هي مألوفة. المخيلات المريضة والمخيلات الساذجة والمخيلات الخبيثة تلاقت على أن في سقوطه مناسبة ممتعة للرجم وإحراز البطولات. وأنا أفهم أن تكون المخيلة العربية، على أنواعها، بلا حدود وبلا ضوابط، ولكني لا أفهم كيف اقتنعت صحيفة مثل «الغارديان» أنه في إمكان رئيس مصر أن يجمع خلال 30 عاما ثروة من 70 مليار دولار، كما أشار إلى ذلك الأستاذ طارق الحميد.

إن هذا الرقم يجعل الرئيس السابق أغنى بعشرة مليارات من أغنى رجل في العالم، أي كارلوس سليم أو بيل غيتس. وإذا كان مبارك يفرض خوة على كل ثري مصري فمن أين له أن يجمع، حتى خلال ثلاثين عاما، نحو 300 مليار جنيه؟ هذا لا يعني أن الرجل لم يستغل نفوذه، وأن الإشاعات لم تدر حول عائلته، وأن الفساد لم يكن ساريا ومستشريا، وأن فضائح القروض والبنوك لم تبقع سمعة الدولة.. ولكن 70 مليار دولار هو رقم مخيلة وليس رقما حسابيا. لكي لا تفقد محاسبة عهد مبارك مصداقيتها يجب أن تبقى في نطاق ما يصدق. وليس من المتوقع في نهايات العهود وسقوطها أن تحتفظ الناس بهدوء الموضوعية، ولكن يجب أن لا تسارع إلى الغرق التلقائي التاريخي في تحويل المآسي والقضايا إلى خرافات وأساطير.

الحقيقة الصغيرة أعظم بكثير من الخرافات المذهبة. وثمة حقيقة بسيطة كان في إمكان «الغارديان» العودة إليها، وهو الأثر الذي تركه مسلسل «فاروق» في نفوس المصريين إلى درجة أثارت غضب النظام. والسبب أن الناس رأت باشاوات فاروق أكثر قومية وأكثر اهتماما بالشأن الوطني وكرامة مصر من أثرياء الجمهورية. ورأت أن إخراج فاروق رافقه الكثير من الإفراط في المبالغات، وأن من صور عميلا للإنجليز كان في الحقيقة عدوهم الأول داخل مصر، جالسا في قصره خلف الراديو، ينتظر نبأ هزيمتهم أمام هتلر.

ليتكم تعرفون كتابات اللورد ماكولاي. لقد وضع (1840) تحفة عنوانها «اللورد كلايف» الذي كان حاكما للبنغال. اتهم كلايف، في جملة ما اتهم، بحمولة فيل من المجوهرات أخذها رشوة. وتبين في ما بعد أنها الرشوة الوحيدة التي لم يقبلها.