دروس من تاريخ آسيا

TT

هونغ كونغ - رغم الأمل والشكوك التي تحيط بمصر في أعقاب سقوط نظام حسني مبارك، ربما يكون من الأنسب أن نوضح بعض الدروس التي ربما نكون قد تعلمناها من سقوط حليفين قويين للولايات المتحدة في آسيا، هما فرديناند ماركوس في الفلبين عام 1986، وسوهارتو في إندونيسيا عام 1998.

لعل القاسم المشترك بين هذه الشخصيات الثلاثة هو أنهم اعتمدوا على انتخابات مزورة، نتج عنها ديمقراطية زائفة يمكن أن تكون أكثر خطورة بالنسبة للطغاة من عدم وجود ديمقراطية على الإطلاق (اعتقاد ربما يبشر بالأمل في ميانمار). ومن بين القواسم بين الثلاثة أيضا أن الجيش كان عاملا مهما في كل الحالات الثلاث، بل كانت الجماهير التي نزلت إلى الشارع.

هذه التحولات المنظمة نسبيا في إندونيسيا والفلبين تقدم أدلة على إمكانية حدوث نتائج مماثلة في مصر.

ربما كانت إندونيسيا التحول الأكثر بروزا وإثارة للدهشة في آن واحد، بالنظر إلى تزامن سقوط سوهارتو مع - وإلى حد ما بسبب - انهيار الاقتصاد في تلك الفترة التي شهدت الأزمة المالية في آسيا، حيث تهاوت الكثير من الأنظمة المصرفية وارتفعت معدلات البطالة في البلاد.

واجهت هذه الدولة التي تحظى بتنوع عرقي وطائفي الكثير من حركات التمرد في تيمور الشرقية وآتشيه وحركات انفصالية في أماكن أخرى. على الجانب الآخر، فإن التناغم العرقي نسبيا ومعاناتها من بعض المصاعب الاقتصادية لا الأزمات يجعلان مصر لا تواجه مثل هذه العقبات الكبيرة.

إذن كيف تمكنت إندونيسيا من العودة مرة أخرى؟ أحد الأسباب وراء ذلك أنها تمتلك دستورا يعود إلى عام 1945 الذي كان سوهارتو غالبا ما يبدي انصياعه إليه بصورة شكلية فقط. ومن ثم فعندما استقال نظر إلى نائبه الذي استمر لفترة قصيرة في الحكم على أنه شخصية انتقالية مقبولة.

وقد ساعد ذلك أيضا الأحزاب السياسية التي تمثل المجموعات السياسية والدينية في المجتمع والتي عملت بصورة قانونية لسنوات طويلة. وكانت وسائل الإعلام تدفع باتجاه الحرية.

وفي الفلبين، كان للمعارضة رمز، كورازون أكينو التي تولت الرئاسة فيما بعد وأرملة المعارض ماركوس أكينو الذي اغتيل من قبل النظام، والتي كانت تقود حركة المعارضة ضد النظام في دولة كانت تحكم بقبضة حديدية كما هو الحال في إندونيسيا ومصر، وكان في الفلبين نخبة صغيرة تسيطر على مناصب السلطة ولا تهتم إلا بجمع المال أكثر من قتلهم بعضهم بعضا.

تبدأ مصر مسيرتها الآن بدستور ملغى وحكم عسكري مؤقت وأحزاب سياسية، تبدو، باستثناء «الإخوان المسلمين»، غير متطورة نسبيا. كما أنها تفتقر، حتى الآن، إلى شخصية أو حزب ليقود البلاد. كما أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت جموع المصريين ستختار ديمقراطية ليبرالية كما هو الحال في إندونيسيا والفلبين أم دولة مذهبية جديدة ربما تقوم على أساس إسلامي.

نتيجة للتنوع الذي تحظى به، تمكنت إندونيسيا من النجاة عندما اعتمدت على نظام تعددي. وإذا كان لنا أن نتخذ من آسيا مثالا فإن ذلك يعني أن التغيير السياسي لن يتمكن من وقف التوجهات الاقتصادية الليبرالية التي بدأها مبارك لتحل محل السياسات الاشتراكية التي ورثها من عهد الرئيس جمال عبد الناصر. وبالفعل فإذا كانت إندونيسيا مثالا يحتذى فإن رد الفعل ضد الرأسمالية الصديقة سيفتح الاقتصاد على مصراعيه أمام المنافسة.

هناك مخاطر من أن يؤدي رد الفعل ضد الفساد الذي شهده حكم مبارك لا إلى محاولات لاستعادة الأرباح غير المشروعة من المصارف السويسرية، بل إلى هجمات على مصداقية كل الشركات التي ازدهرت تحت النظام المخلوع. وكما هو الحال في آسيا فإن ثروة العائلة موضوعة في شركات شرعية عبر طرف ثالث.

ربما تحصل مصر على المدى البعيد على مجموعة من الأصدقاء الجدد أو ربما تعود بصورة تدريجية إلى الأصدقاء القدامى كما حدث في الفلبين وإندونيسيا، لكن مصر حالة مستقلة.

ففي إندونيسيا والفلبين سرعان ما خفتت حالة الغضب تجاه محاكمة الأخطاء السابقة التي أثرت بشكل سيئ على الحكم الجيد لكنها سمحت بمناخ من التسامح أسهم في تحقيق استقرار سياسي.

بعض المصريين يرون الابتعاد عن أمر محتوم كما هو الحال في الفترة التي تلت سقوط حكم ماركوس عندما سعت الفلبين إلى التخلص من القواعد العسكرية الأميركية. لكن شيئا لم يتغير في النهاية في علاقة واشنطن سواء مع الفلبين أو إندونيسيا. ووفق هذا المعيار، فإن أهم السمات الخارجية لـ«ثورة التحرير» سيكون تأثيرها على السياسات العربية. فمركزية مصر بالنسبة للعالم العربي وكل السياسات في الشرق الأوسط تعطيها أهمية تفوق حجمها. ورغم وجود تجربتين لقوة الجماهير لدولتين كبيرتين لكنهما أقل مركزية في آسيا، فإنها تقدم دلائل مبشرة في الوقت الذي تتحسس فيه طريقها نحو المستقبل.

* خدمة «نيويورك تايمز»