عَلامَ تهلل طهران؟

TT

من المبكر إلصاق بطاقة تعريف نهائية على ثورة شباب مصر، رغم كثرة التوصيفات السياسية لأحداثها وكثرة محاولات توظيفها في خانة أمجاد البعض الآيديولوجية والسياسية.

في انتظار أن تنجلي تماما صورة عهد ما بعد مبارك، يبدو أن ما حدث في مصر كان ثورة على النظام.. احتواها النظام. هذا لا يعني التقليل من دور شباب مصر الذين أطلقوا عنان الثورة وصمدوا في وجه قوى القمع والترهيب التي جيّشها النظام ضدهم. لولاهم لما كانت الثورة، ولولا نفسهم الثوري السليم لما انتهت بتنحي الرئيس (السابق أو المخلوع؟) حسني مبارك.

ولكن تقدير دور شباب مصر يجب أن لا يغمط، في المقابل، دور المؤسسة العسكرية المصرية في «تسهيل» بلوغ ثورة الشباب أهدافها.. بسلام.

لم يعد خافيا أن قرار الجيش المصري «السماح» باستمرار الاعتصامات والمظاهرات الشعبية لثمانية عشر يوما دون قمع أو تصد لم تقتصر مفاعيله على حماية الثورة الشبابية فحسب (وتشجيع المترددين على الانضمام إليها)، بل تعداها إلى «احتوائها»، ميدانيا وسياسيا، وفي الوقت نفسه إعطاء رأس النظام، وابن المؤسسة العسكرية، حسني مبارك، مهلة كافية لإدراك صعوبة - إن لم يكن استحالة - سحقها.

شئنا أم أبينا، موقف المؤسسة العسكرية في مصر شكل الإطار العملي لانتقال سلمي للسلطة من نظام شمولي إلى نظام لا بد أن يكون أكثر ديمقراطية مهما كان شكله الدستوري.

من هذا المنظور يمكن إعطاء بعض المصداقية لرواية واشنطن عن تنسيق غير معلن بين المؤسستين العسكرية والاستخباراتية، المصرية والأميركية، على «إخراج» الساعات الأخيرة من حكم مبارك. وهذا التنسيق تتعزز مصداقيته على خلفية حرص المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية على تأكيد دوره «الانتقالي» في تسليم السلطة «للمدنيين»، وعلى التزامه بالمعاهدات الدولية والإقليمية كافة التي عقدتها مصر؛ وبينها، بالطبع، معاهدة كامب ديفيد.

ربما بدأت أحداث مصر كثورة ديمقراطية على النظام. ولكن تجذر دور «المؤسسة» في مصر، خصوصا المؤسسة العسكرية التي تمارس دور «الراعي» للنظام منذ عام 1952، حولها، في ظل تقاطع المعطيات الإقليمية والدولية الراهنة، إلى ثورة «ضمن» النظام، الأمر الذي سهل، بدوره، عملية الانتقال السلمي والدستوري، للسلطة. على ضوء هذه الخلفية يصح التساؤل: لماذا تهلل طهران لنصر «خميني» في مصر إلى حد وصف ثورة شبابها «بصحوة إسلامية في مكان آخر»، حسب تعبير رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني؟

باستثناء تلك المصادفة غير المقصودة بين تاريخي انتصار الثورتين الشبابية والخمينية (11 فبراير/ شباط)، لا مجال لأي مقارنة كانت بين ثورة مصر وثورة إيران؛ لا من حيث توجهيهما، ولا من حيث آليتيهما.

بادئ ذي بدء، جيش مصر حمى ثورة الشباب، أما «الحرس الثوري» فقد قمع بقسوة مظاهرات يونيو (حزيران) 2009 الاحتجاجية ضد الانتخابات التي أعادت محمود أحمدي نجاد إلى الرئاسة في إيران، ونكل بالمتظاهرين.. فكيف يمكن، من الأساس، مقارنة ذهنية المؤسستين العسكريتين حيال الانتفاضات الشعبية في بلديهما؟

واستطرادا؛ ثورة شباب مصر كانت انتفاضة عفوية على نظام دكتاتوري سلطوي.. فكيف تجوز مقارنتها بـ«ثورة» أسست لنظام نقيض في إيران، أوتوقراطي وشمولي؟

ثم إن ثورة شباب مصر رفعت الديمقراطية شعارا عريضا وجامعا لها فكيف تجوز مقارنتها بـ«ثورة» قمعت، ولا تزال، التعبير الحر عن الرأي إلى حد منع المظاهرات الشعبية المؤيدة لثورة مصر التي تدعي طهران وصلا بها؟

وأخيرا لا آخرا، ثورة شباب مصر وضعت في مقدمة أهدافها إقامة نظام برلماني مدني يضمن للمسلم والقبطي حقوق المواطنة.. فكيف يجوز تشبيهها بـ«ثورة» فرضت نظاما مذهبيا أصوليا رأس هرمه الأبدي غير منتخب من أي جهة شعبية (الولي الفقيه)؟

أصوليو مصر، الإخوان المسلمون، كانوا أكثر واقعية في تقييمهم لثورة الشباب بامتناعهم عن تقديم مرشح للرئاسة وإشادتهم بخطط الجيش لنقل السلطة إلى المدنيين والإعلان عن أنهم لا يسعون إلى السلطة.

أليس الأجدر بأصوليي إيران الاقتداء بأصوليي مصر عوضا عن التنطح لأمجاد «دون كيشوتية»؟