من ميدان التحرير إلى ميدان التحريم!

TT

لا تزال تبعات وقائع الثورة المصرية المهولة تتداعى، ولا تزال خطوط ومواقع الأطراف والفرق المعنية حولها تحاول أن تجد لها مكانا. ومع الاحترام الشعبي والمحلي للثورة والتقدير العالمي لنتائجها وأسلوبها الراقي، تصدر أصوات الآن عبر تجمعات ترفع شعارات «لا مدنية ولا عسكرية بل إسلامية»، وحقيقة هذه مسألة غريبة في تزايدها واستغلالها للحدث العظيم. الحركة المصرية التي حصلت كانت ثورة وطنية خالصة مليئة بالأخلاق والسمات والمبادئ الإسلامية. فهي نادت بالمساواة والعدل ومكافحة الفساد وتمثيل الجميع، وهذه كلها أساس الدين الإسلامي الذي أُرسل رسوله عليه أطيب صلاة وأزكى تسليم لإتمام مكارم الأخلاق. المتظاهرون كانوا «يمارسون» فعليا العبادات من صلاة ودعاء وقبول للآخر المخالف بكل أدب واحترام ودون تحقير للمرأة، وهي جميعا آيات صريحة وواضحة لعظمة هذا الدين الذي يحاول البعض اختطافه لأغراض سياسية خاصة أو عن جهل مركب قديم. ثورات الحرية أولى ضحاياها ليست الحكومات المستبدة فحسب ولكنها المنظمات الدينية المتطرفة، فهي لا تستطيع الحياة ولا البقاء دون استبداد وفي ظل الحرية والانفتاح المدعوم بالأنظمة والقوانين وحق التمثيل للمواطن.

نغمة التشكيك في الإنجاز الكبير الذي حصل ومحاولة إدخال العنصر الديني ودعم ذلك بفتاوى وآراء تطعن في نيات من قاموا بهذا العمل وتحاول أن «تخرجهم» من الدين والملة إذا لم «يفعلوا» أو «يقولوا» ما يملونه عليهم.. جيل الشباب لم يعد يقبلها أو أن يتم التشكيك في نياتهم المخلصة وحتما لا يقبل الطعن في دينهم، وبالتالي هم حريصون جدا على إبقاء هذه التحركات كما هي؛ محاولات إصلاحية سياسية واجتماعية واقتصادية حقيقية لمواجهة الخلل المهول الموجود بين الحاكم والمحكوم وبين الشعب والدولة باتت فيه كلمات كالحرية والعدالة والعيش الكريم خاوية وخالية من المعنى ومجهولة المغزى.

الدين وتسييسه مسألة في غاية الخطورة، وهي مسألة جربت من قبل وأتت بنتائج مخزية ومدمرة، ولنا بما يحدث في إيران المثل المرعب في دعم هذا القول. تركيا دولة مسلمة فيها مسلمون صالحون وصلوا لرأس السلطة، ولكنهم لم يقولبوا الدين ويكيفوه و«يكفروا» مخالفيهم، ولم يقولوا إنهم وحدهم يمثلون الدين الصافي والنقي السليم، وذلك برسالة فيها تفريق وتمزيق وتشكيك للمجتمع بأسره. لم يعد هناك مجال اليوم لممارسة التقية السياسية أو الاحتيال السياسي، فالأمور لم يعد من الممكن إخفاؤها ولا الالتفاف حولها، وبالتالي أصبح من المستحيل إغفال أو استغفال الشعوب. التضليل باسم الدين خطير ومستمر من فتوى تكفر المجتمع بأكمله وحكامه إلى فتوى تحرم القيام لتحية العلم أو ارتداء القبعة العسكرية بحجج أن ذلك شرك! كل ذلك هو من سمات الخطر على الأوطان باسم الدين، مثله مثل التستر على الفساد والعنصرية والمحسوبية المدمرة للمجتمعات وبالتالي للأوطان.

الحذر مطلوب والتذكير به مطلوب من كل تركيبة شيطانية تخلط الدين بالسياسة.

[email protected]