التقرير الأخير

TT

سأل أحد الأبناء والده ماذا فعل في الثورة الفرنسية، فأجابه: «لقد بقيت حيا». حاذر أن تبدو معاديا للثورات وغير مبتهج بالتغيير. إياك أن تدّعي حكمة أو روية فيما الملايين تتدفق على الميادين. سارع وأوجد لنفسك مكانا، أمام أو خلف أو بين القادمين الجدد.

مع ذلك، لا بد من بعض الهدوء. لا من أجل أن يبقى جيش مصر في الحكم - فقد انتهى عصر العسكر - بثياب مدنية أو بزات مغطاة بالنياشين. ولا من أجل الترفق بنظام مبارك، فالرجل قد انتهى ومعه انتهت أسرته سياسيا. ولا من أجل رفاقه، فمنهم من سيكون ظلمه عدلا، ومنهم من سوف يظلمون ظلما، لأن هذه حال الدنيا. ومن يجهل ذلك يدفع ثمن التمادي في الجهل.

لكن لا بد من بعض الهدوء. فلا أحد في مصر أو في أي مكان على الأرض يستطيع تعديل الرواتب وتعديل الدستور وتعديل مستويات المعيشة والنظر في المظالم وتعديل القوانين وتحسين أوضاع السجون، خلال أسبوع أو أسبوعين. لا أحد ولا بلد. والآن وقد انتصرت الثورة يبقى الأهم، وهو أن تنتصر مصر في إقامة دولة القانون والعدالة والمساواة.

وذلك لا يمكن أن يتم في الفوضى ولا في الساحات ولا في الميادين. ولا يمكن أن يتم مع فقدان الثقة بالجيش وعهوده المعلنة، فهو يخاطب أمة وشعبا وأمم الأرض. وهو جيش مصر وليس مسخرة من المساخر الموصوفة والمعروفة.

طلب الجيش ستة أشهر، لكي يعيد إلى مصر الدولة المدنية التي فقدتها منذ زمن. ولكي يعيد العمل بدستور مدني خال من البنود المناقضة للدساتير. ولكي يبحث عن رجال موضع ثقة وأهل خبرة بعد سنوات من توزيع المسؤوليات على أهل المودة. وهذا لا يعني أنه لم يكن هناك أكفاء أو ذوو ضمائر وخبرة وأداء جيد. لكن هذا البعض ضاع في سمعة الكل. وكل شيء ضاع في مساوئ وفظاعات الأيام الأخيرة ومشاهد الهجانة والخيالة والسكاكين القبيحة والسيارات التي تدهس المجتمعين.

منذ أربعة عشر عاما هناك وزير داخلية واحد في مصر، يلاحق المعارضين ويرد المتظاهرين، ويرفع التقارير إلى رئيسه. وقد أخفق، هو ومليونان من رجاله، أن يرد هذه المرة التظاهرة الأخيرة، وأخفق في أن يرفع تقريرا صادقا عما يدور تحت نوافذ «قصر العروبة».