الحريري والعودة للجذور

TT

لم أر خطابا واضحا وصريحا لرئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري من قبل مثل خطابه الأخير الأسبوع الماضي، حيث اقترب الحريري أكثر من كل اللبنانيين، وأعلن مواقف واضحة سواء حول محكمة الشهيد رفيق الحريري الدولية، أو قضية السلاح، أو وحدة لبنان. في ذلك الخطاب عاد الحريري للجذور السياسية الحقيقية، أي جذور قضيته، وقضية كل اللبنانيين.

ففي خطابه الأخير قال بكل وضوح، وبعيدا عن تذاكي طلاب السلطة في لبنان، أو مريدي سورية، قال الحريري ما نصه: «لقد دخلت إلى الحياة السياسية يوم استشهد والدي في 14 فبراير (شباط)، وانطلقت معكم ومع كل اللبنانيين واللبنانيات في الحياة الوطنية يوم 14 مارس (آذار) 2005. هذه هي جذوري الحقيقية، وعن جذوري لن أتخلى».

وهذا هو الصحيح لجذور سعد الحريري، وتاريخ ميلاده السياسي هو لحظة اغتيال والده، ويوم انطلاقه للدفاع عن حق لبنان الديمقراطية والعدالة، لا لبنان الطائفية والاستقواء بالخارج، ولو نسي سعد الحريري هذه الحقيقة لكانت نهايته السياسية.

لكن ورغم ذلك، فإن الحريري قبل بالجهد السعودي، أو «س - س» لسببين سمعتهما منه مرارا وتكرارا، وهما: ثقته الكاملة في حب الملك عبد الله بن عبد العزيز للبنان، وحرصه على وحدة الصف العربي، والأمر الآخر أن الحريري دائما ما يقول: أنا لا أريد الثأر، بل أنشد العدالة ليخرج لبنان من لعبة الاغتيالات والترهيب. وأهمية خطاب الحريري أنه لم يأت مواربا، بل جاء واضحا كل الوضوح، فمعه الحق تماما حين استهل حديثه عن خلفية مبادرة «س – س» بالقول: «ألزمت نفسي الصمت بشأن الـ(س - س)، لأن من يريدها أن تنجح لا يسرب ولا يتكلم، بل يعمل».

وهذا صحيح، فكل التسريبات كانت إما من دمشق، أو الضاحية، وفي وسائل إعلام معلومة ومعروفة مصادرها، وليس فيها سر، بل كانت تقول: «ويقول المسؤول السوري كذا... ويؤكد ذلك» دون نفي أو تصحيح سوري. ولذا، فقد أجاد الحريري صنعا عندما صارح اللبنانيين جميعا بما كان يدور من أفكار بشكل واضح، وهو تصرف مهم لا يقل أهمية عن تصريح وزير الخارجية السعودي حين أعلن أن بلاده قد رفعت يدها عن الوساطة في لبنان. وذلك ليس هروبا، بل لتكون الصورة واضحة أمام الرأي العام حول من يريد الخير للبنان، ومن يريد تحويله إلى مقاطعة إيرانية.

لو لم يعد الحريري إلى «جذوره الحقيقية» وهي لحظة اغتيال والده، ويوم 14 مارس الذي قاد لانسحاب الجيش السوري من لبنان، لكان قد أضاع لبنان كله، وليس زعامة. فالخوف اليوم على لبنان الوطن أكثر من القلق على الزعامة. وهذا ما أوضحه خطاب الحريري. لذا، فإن خطابه الأخير سيكون مهما جدا للبنان، فلا تساهل في العدالة، ولا تنازل للسلاح، ولا تفريط في وحدة لبنان وفق اتفاق الطائف.

هذه هي الجذور التي على الجميع، وليس الحريري وحده، أن يتمسكوا بها لمصلحة لبنان الذي لا ينبغي أن يكون تحت إمرة الولي الفقيه، أو تحت وصاية جار، بل تحت مظلة البرلمان، وبين طيات الدستور.

[email protected]