هل أنا صاحب رأي وعزيمة؟!

TT

قدر لي في أولى مراحل حياتي العملية أن أشتري قطعة أرض في حي يقال له (السلامة) في جدة، وكان الثمن في وقتها خمسة عشر ألف ريال (بالتقسيط)، دفعت منها كمقدم (2500) ريال، على أمل أن سعرها سوف يتضاعف بين (عشية وضحاها) مثلما نصحني البعض عند شرائها. وأخذت أحلم كل ليلة عندما أضع رأسي على المخدة، كيف أصرف و(أفرتك) تلك الأرباح التي سوف تأتيني على طبق من ذهب، هل (أفرتكها) يا ترى بالسفر للدولة الفلانية؟! أم أحيي بها سهرة (عرمرية) أدعو فيها أصدقاء السوء ممن أعرفهم؟! أم أشتري بها هدية وأقدمها على (طبق من الغرام) لمن يستحقها، أم، أم، أم، إلى ما هنالك من (الأمات)؟!. ولا يمر أسبوع إلا وأتصل تليفونيا بصاحب مكتب العقار أسأله عما وصلت إليه الأسعار، وكان يصدمني دائما بجملة متكررة عندما يقول: «(السوق راكدة)، وعليك أن تتحلى بالصبر، لا تصير (قرقعانة)».

وعندما مرت ثمانية أشهر كاملة بدأ الصبر ينفد، وبدأت الشتائم تتقاطر على لساني لا شعوريا. ويبدو أن صاحب العقار قد بدأ كذلك يضيق ذرعا من كثرة اتصالاتي وإلحاحي، فما كان منه في أحد الأيام إلا أن اتصل بي طالبا مني الحضور على وجه السرعة، قائلا لي: «(الحق الحق) لدي لك خبر مفرح سوف يشرح صدرك» - على حد تعبيره. فانطلقت إلى مكتبه (بسرعة أكثر من السرعة)، قطعت خلالها إشارات المرور أكثر من مرة، وكدت أصدم كذلك أكثر من مرة، وكنت طوال الطريق معلقا (البوري) وكأنني ذاهب إلى حفلة عرس أنا عريسها، (فرملت) سيارتي في الشارع، ودلفت إلى مكتبه ركضا ووجدت عنده رجلا مفتول العضلات والشنبات، وما إن شاهدني السمسار حتى أخذني بالأحضان، ثم أمسك بيدي وانتحى بي جانبا، وأخذ يوشوشني ويهمس في أذني قائلا: «ربي يحبك وسوف يعطيك على نيتك الطيبة، ولديك الآن فرصة لا تعوض، فهذا الرجل الذي رأيته جالسا هو (مهبول) يريد أن يشتري قطعة أرضك مقابل السيارة (الكابرس) الجديدة العائدة له، وثمنها الآن في الوقت الحاضر هو (40) ألف ريال، يعني (بالعربي الفصيح) فأرضك تضاعف سعرها تقريبا ثلاث مرات خلال ثمانية أشهر، فما رأيك؟! رد علي بسرعة ولا تحك أذنك». أخذت أفكر وأفكر وأفكر مترددا، فقطع هو علي حبل أفكاري قائلا وهو يهتف ببيت الشعر هذا:

«إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة.. فإن فساد الرأي أن تترددا»..

ثم ضرب على كتفي ضربة عنيفة وكاد يخلعها قائلا لي: «(طع شوري) لا تكون أهبل مثل ذلك الرجل، وأقبل ما أشرت به عليك، فهناك احتمال مؤكد أن سعر الأرض سيهبط، وخذ يا مجنون هذه السيارة الجديدة و(اكشخ) بها بدلا من سيارتك (المدردعة المبوشة)». عندها يا سبحان الله فعل بيت الشعر ذاك في نفسي فعل السحر، فقررت أن أكون (ذا رأي وذا عزيمة)، فلم أتردد عندما قلت له نافشا صدري: لقد قبلت. ولأول مرة وجدت السمسار يقفز (ويبوس خشمي) قائلا لي: «(توّك ما صرت رجال)»، شكرته بقليل من التواضع وكثير من الزهو، واتجهت معه إلى حيث يجلس الرجل، وأخرج السمسار دفتر المبايعة قائلا لي: «ومن أجل عيونك أنا متنازل عن حقي بالسعي (2.5%)»، وزاد ذلك من سروري وغبطتي ولولا الحياء لرقصت.

انتهى كل شيء على ما يرام، وبدلا من أن أبيع السيارة الجديدة وأقبض ثمنها، قررت أن (أكشخ) بها في البداية على الأقل عدة أسابيع، لكن من سوء حظي الذي يلازمني دائما أينما توجهت، قدر الله أنني صدمت بها ولم يكن عليها أي تأمين، وعندما ذهبت بها (للورشة) لإصلاحها طلبوا مني لقاء ذلك عشرين ألف ريال.

وبعد سنتين أو أكثر قليلا علمت أن الرجل المفتول العضلات والشنبات (الأهبل) قد باع قطعة الأرض بمليون وأربعمائة ألف ريال - وفوقها خمسون - وكان السمسار نفسه هو الواسطة.

(حظووظ)!!

[email protected]