الديمقراطية العربية

TT

للداعي لكم بطول العمر وصفو الخاطر، رأي في انتخابات العالم العربي واستفتاءاته واتحاداته البرلمانية وحرياته، مدون في هذه الزاوية مرارا ومنذ سنوات طويلة. والعام الماضي جرت انتخابات برلمانية في دولة كبرى هي مصر، فاز فيها الحزب الحاكم بأكثرية ساحقة ماحقة، ولم تعط المعارضة، ولو تزويرا، بعض المقاعد لرد العين ودرء الحسد عن ديمقراطية الحزب ومدى شعبيته بين الناس.

وجرت انتخابات في دولة صغيرة اسمها البحرين. وفي البحرين فازت المعارضة ونالت جمعية «الوفاق» (لاحظ الاسم)، أكبر كتلة في البرلمان الصغير. وعندما يكون البرلمان مفتوحا للمعارضين، وخصوصا غلاتهم، فهذا يطمئن إلى أن لا ضرورة للاحتكام إلى الشارع ولا إلى المظاهرات. وفي لغة العصر، لم تكن المعارضة الشيعية وحدها التي فازت، بل المعارضة السنية أيضا.

المعادلة بسيطة وبديهية: إذا كانت انتخابات مصر المضحكة قد اضطرت الناس للنزول إلى الشوارع، فما هو الذي لا تستطيع المعارضة البحرينية قوله في البرلمان؟ وما هو مشروع القانون الذي لا تستطيع أن تتقدم به؟ وما هو الذي لا يستطيع أن يقوله نوابها، دعك من صحفها؟ التماهي بشوارع ليبيا وساحات مصر، ليس ضروريا ولا لائقا. ولكن المؤسف أن هذا هو حال العرب والديمقراطية. ففي العراق أدت الانتخابات إلى أكثرية لم يسمح لها بالوصول. وفي لبنان لم يسمح للأكثرية النيابية بتشكيل الحكومة. والآن تنقل «الوفاق» حياة البحرين إلى الشارع والدواوير مع أنها تملك مفاتيح البرلمان.

وثمة ما هو أسوأ: أن تعلن «الوفاق» أن مقاطعتها للبرلمان «نهائية وقاضية»، في حين أنه ليس في الأصول والممارسات البرلمانية أي شيء نهائي. لقد اخترعت البرلمانات من أجل نقل النقاشات الوطنية من الشارع إلى الندوات، ومن الغوغاء إلى سقف القانون والدساتير والنصوص والتجارب. وعلى البرلماني أن يختار، بين ما فوضه وأوكله الناس إليه، وبين أن يعود إلى الساحات والشوارع كلما نودي عليه.

كان يمكن أن تكون تجربة البحرين اختبارا نموذجيا في الخليج: تطوير حكم القانون والنظام التمثيلي من خلال العمل المشترك بين البرلمان والحكومة. لكن ما حدث لم يكن إحراقا للمراحل، بل هو إشعال للنار في ثوب البحرين وفي أطراف المنطقة.