لساني عليه وقلبي معه!

TT

إذا قامت ثورة فالناس ثلاثة: الداخلون فيها.. الخارجون عليها.. والمتسللون إليها..

أو بعبارة أخرى: الذين معها والذين عليها والذين ينافقونها.

قال أمير الشعراء شوقي في مسرحية «مجنون ليلى»:

إِذَا الفِتْنَةُ اضْطَرَمَتْ فِي الْبِلادِ  

 وَرُمْتَ  النَّجَاةَ؛  فَكُنْ   إِمَّعَةْ

أُحِبُّ الْحُسَيْنَ وَلَكِنَّمَا

لِسَانِي عَلَيْهِ وَقَلْبِي مَعَهْ!

وهي شبيهة بالحالة التي يسميها بحالة (التقية)، أي يقول ما لا يؤمن به طمعا في النجاة. وكذلك كان المسلمون في مكة قبل الفتح. فقد كان هناك نوعان من الإيمان.. إيمان المسلمين في مكة.. أي الإيمان مع الخوف.. أي الإيمان مع التقية.. ثم إيمان المسلمين في المدينة.. المجاهرة بالإيمان.. فلم يعد المسلمون في حاجة إلى التظاهر بما ليس فيهم.. ليسوا في حاجة إلى التقية.

ومن مزايا الثوار: تلك الحساسية المفرطة لمن صار معهم ولمن صار ضدهم. وقد أدهشني الثوار برأيهم في رموز الحياة السياسية والاجتماعية السابقة عليهم والمولدة لغضبهم وسخطهم.. ثم ذاكرتهم القوية.. فهم قد أدركوا بهذا الحس المرهف من سينافقهم ويداهنهم. وعندهم قائمة بالأسماء: الأعداء والأصدقاء والمنافقين.. شيء عجيب. وكل من اختاروه قد كتبوا إلى جواره حيثيات هذا الحكم.. إنه قال كذا يوم كذا ونشر كذا يوم كذا.. شيء عجيب هؤلاء الثوار الشبان. ليسوا صغارا إلى الدرجة التي تخيفنا على مصر، حمدا لله أنهم على هذه الدرجة من الأخلاق الثورية الفاضلة!

وهذا هو الفرق بين (الفورة) والثورة.. فالفورة كالماء يغلي فجأة.. والثورة كالماء الذي نتابعه درجة درجة حتى يفور. فالثورة هي التطور الهادئ.. بعد المتدرج والسخط والحالة بعد الحالة حتى تبلغ ذروتها في الغليان.. وهذه الثورة تقوم على الرصد والدرس والتحليل.. أي كل شيء. فالغضب المبرمج.. أي الغضب الذي له أول وله آخر.. وله أسباب وتفسير مقنع للمرحلة التي تليها..

إذن لقد رصدوا وحسبوا ما لنا وما علينا. أي ما لهم وما علينا.. من معهم ومن ضدهم، ومن معهم أحيانا وضدهم أحيانا حسب الأحوال.. ولذلك فمع الثوار لا تهاون.. مع الثوار لا أحد على الحياد.. إما معهم وإما عليهم.. فقد كنا نحلم فكانت الثورة الشابة أبعد من أحلامنا وقاها الله سر الفتنة بين صفوفها وصفوفنا.. وعاشت ثورة الشباب.. شباب الثورة.. بمصر ولمصر..