مطاردة النجوم!

TT

أحد الدبلوماسيين المغادرين من مطار القاهرة استوقفه رجال التفتيش طالبين منه أن يضع الحقيبتين اللتين يحملهما في جهاز الكشف، ولم يفلح اعتراضه، فالسلطات المصرية فرضت على الجميع، مهما كانت حصانتهم، أن يخضعوا حقائبهم للفحص الآلي بسبب الظروف الاستثنائية في البلاد.

واكتشف المفتشون وجود تمثال أثري في حقيبة الدبلوماسي، في وقت شاع الحديث فيه عن مسروقات أثرية ثمينة. واستدعي رجال الجمارك من خبراء الآثار الفرعونية الموجودين في المطار، وبعد أن فحصوا التمثال الجبسي طمأنوا الدبلوماسي الأجنبي.. فبإمكانه أن يحمله معه، فالتمثال مزور، لكن كاد يغمى على الدبلوماسي، حيث اتضح أنه اشتراه بمبالغ طائلة اعتقادا منه أنه أصلي مسروق في زحمة الثورة. وعندما أسقط في يده رفض أخذ التمثال ورفعه قائلا لرجال الجمارك إنه يتبرع به هدية للشعب المصري تقديرا لثورته!

كم هم الذين يحاولون اليوم بيع الشعب تماثيل جبسية مزورة؟ نسمع الكثير من إعلانات البراءة والمواقف الجديدة. وقد انشغلت الساحة المصرية بين مدعين الثورة المزايدين على أصحابها الأصليين، وبين بلاغات الاتهام ضد إعلاميين وفنانين ورياضيين وتجار، وطبعا سياسيين، على أنهم رموز العهد البائد. وهنا علينا أن نتذكر أن آلافا منهم كانوا ضمن الماكينة الرسمية أو يتعاملون معها.. منهم من غنى، ومنهم من كتب، ومنهم من تبرع، ومنهم من خطب، تحولوا إلى تخوين بعضهم بعضا ضمن تصفية حسابات، فيها ما هو شخصي، وبعضها انتهازي.

لا أدري كيف يمكن أن يخون لاعب كرة لأنه كان نجما في عهد مبارك! ولا كيف يتخلى المطربون الذين كانوا يتسابقون للغناء في الحفلات الرسمية عن تاريخهم! والآن يعيرون بعضهم باحتفالات العهد السابق. ومع أن الانتقام والإقصاء حالة طبيعية ترافق الثورات، فإننا أمام ثورة أقل انفصالا عن «ثورة 52» التي غيرت النظام السياسي من ملكي إلى جمهوري، وتخلت تماما عن تلك المرحلة واعتبرتها عدوة.. ثقافيا وفكريا وسياسيا. وحتى في زمن التغيير الشامل ذاك، أي بعد إسقاط الملكية وصعود «ثوار 52»، فقد استمر نجوم الملكية هم نجوم الثورة في كل الميادين باستثناء السياسة. الممثلون والمؤلفون والموسيقيون والكتاب وغيرهم من وجوه المجتمع أصبحوا في كرب الجمهورية. أم كلثوم كانت رمزا فنيا للملكية المصرية، حيث اشتهرت بأغانيها للملك فاروق، صارت مطربة الثورة، واستمرت تذاع أغانيها بما فيها تلك التي غنتها للملك مثل «يا ليلة العيد»، بعد حذف اسم فاروق منها، وحضر حفلاتها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وقلدها أرفع أوسمة الجمهورية. واعتمدت أغنيتها «والله زمان يا سلاحي» نشيدا وطنيا، وكذلك الفنان محمد عبد الوهاب الذي اشتهر بلقب مطرب الملوك، هو الآخر صار من مطربي الثورة.

هذا عالم يغني «عاش الملك.. مات الملك»، ومعاقبة النجوم على انتمائهم إلى مرحلة صارت مكروهة فيها تحامل، خاصة أن معظم الفاعلين في المجتمع كانوا منسجمين مع تلك الفترة، ومعظم نجومها لم يبرزوا كمطربين أو لاعبين بقرار رئاسي.. لاعب الكرة صار نجما لأنه يسجل أهداف النصر وليس لأن الرئيس اختاره لاعبا في الفريق، والمطرب صار شعبيا لأن ملايين الناس هي التي اختارت الاستماع إليه وليس لأن الرئيس عينه مطربا. المشهورون استمدوا شعبيتهم من الشعب، ومن الطبيعي أن ترسل إليهم دعوات العشاء على مائدة الرؤساء، وأغلب من تغيب إما الذين لم تصل إليهم الدعوات آنذاك، وإما لأنهم أصحاب مواقف سياسية معارضة، وهذه هي الندرة من النجوم.

[email protected]