من يصنع الطغاة؟

TT

سئل أرسطو ذات زمن بعيد:

- من يصنع الطغاة؟

فرد على الفور قائلا:

- «ضعف المظلومين».

* وأنا أعتقد أن ليس ثمة أمة من الأمم أجادت صناعة الطغاة في العصر الحديث بقدر ما فعلت أمتنا العربية، فنحن الأمة الوحيدة التي تدير رؤوس الطغاة غرورا بخضوعها وتبعيتها وهوانها، فتحيطهم دائما بزفة هتاف ساذج، ومتشنج، وغوغائي، يتشكل من خلاله جنون الطغاة وغطرستهم وغرورهم، فيتخيلون أنفسهم هبة الله في الأرض، لكن ما يحدث هذه الأيام في العالم العربي يعد كسرا لتلك القاعدة، ولا تفسير لما يحدث هذه الأيام سوى أن هذا المجتمع العربي الذي حبس عقودا في القمقم بفعل أنظمة قمعية عسكرية كسرت ذاته، وخدشت سيكولوجيته، قد نفد صبره، وهو يحاول الآن الخروج من عنق الزجاجة دفعة واحدة، ويتدافع صوب فضاءات الحرية بصورة غير مسبوقة قلبت كل التوقعات.

إن رياح التغيير التي حدثت في تونس ومصر تهب الآن على مناطق ودول أخرى، وستتوسع، وتمتد، وستتساقط معها حبات «الدومينو» التي أقعدها ضعف المظلومين في السابق عن استشراف الآتي، فعام 2011 لن تتسع معدة أيامه لهضم جمهوريات تحلم بالحكم مدى الحياة، وبعد الممات عبر التوريث، ولن تنتشي آذان هذا العام بأسطوانات الضحك على الشعوب، ولن يصمد في وجه هذا المد سوى قيادات جسرت المسافات مبكرا بينها وبين شعوبها بالثقة، والعدل، والإنصاف، لا الخوف، والإرهاب، والبطش، فلقد آن الأوان للإنسان العربي أن تتشكل لديه مناعة من حالة الاستهواء التي اعتاد أن ينساق عبرها مسلوب الإرادة إلى أعراس الطغاة.

باختصار: إن زمنا عربيا جديدا تشرق شموسه هذه الأيام، لا مكان ولا مكانة فيه لأنظمة ارتكزت على تخويف، وتركيع، وتجهيل شعوبها، إذ لن يبقى في الصورة سوى الأكثر استحقاقا للبقاء بما قدموا لشعوبهم من أسباب النهوض، ووسائل العيش الكريم، وهؤلاء وحدهم في مأمن، فآلة الزمن الجديد قادرة على الفرز العادل، والمنصف، والحكيم.

[email protected]