ولكنها ترى ما لا نرى!

TT

عايشنا غضبة الشعب الذي ثار على السادات.. فكان من نتيجة ذلك أن غضب السادات أيضا.. غضب على كل الناس. وأودع السجون من كل زوجين اثنين. قلت: السادات غلطان. قالت: بل سيدفع ثمنا غاليا. حياته هي الثمن!

وصدقت نبوءتها. ولكني قلت: غلطة ومن الذي لا يخطئ.. ولما قابلت حسني مبارك بعد أيام من اختياره رئيسا سألته: يا ريس لماذا أغضب السادات كل الناس؟ قال حسني مبارك: أنت تعرف أكثر مني. ولعلك تلاحظ أنه عاد إلى الدواء يأخذه، فظهر العرق في رقبته وفي شفتيه.. قلت: تعب.. إرهاق.. غضب من الشعب؛ فقد أحس السادات أن الشعب لا يشعر له بالامتنان.

ولكن صديقتي يرحمها الله كانت أصدق حسا وأبعد نظرا. شيء عجيب، وكانت تقول: إذا أصابتك مصيبة لا تنشغل عنها.. انظر إليها.. استمع إليها.. فإن هذا يهون عليك!

وكأنها توهمت أنني لم أصدقها.. فحكت حكاية تاريخية مشهورة في تاريخ إيطاليا في العصور الوسطي.. إنه أحد الأمراء طبعا. وكان الأمراء مثل الفراعنة؛ يملكون الأرض ومن عليها وما عليها، ويستبيحون سرقة الخيول والأغنام من كل من يضايقهم أو يرفع صوته أو رأسه.. فيما عدا الاعتداء على العذارى. إلا أن هذا الأمير قد تجاوز كل الحدود واختار يوم عيد ميلاده وقرر أن يجعله فريدا في التاريخ، فبعث من يقول للفلاحين إن العرافة قالت للأمير إن طفلا من أبناء هذه الولاية سوف يقتلك عندما يكبر. ولم تحدد السن التي سوف يكون عليها القاتل. وقتل الأمير أي طفل من أي أسرة.. واتحدت الأسر ضده في البكاء والدعاء عليه.. وابتلع الناس دموعهم. واطمأن الأمير أن هذه هي حال الضعيف.

وغاب الأمير يومين بعيدا وفى اليوم الثالث جاء حصانه وحده.

وكان وراء الحصان آخر يحمل رأس الأمير. لقد قتله شاب صغير. هذا الشاب هو ابن أخت الأمير.

تماما كما حدث للسادات؛ قتله واحد من المسلمين ومن الجنود الذين انتصر بهم في أكتوبر (تشرين الأول). قتلوه في عيده وعيدهم.. والقاتل واحد من أبنائه كما اعتاد أن يخاطب الجندي والفلاح والطالب!

ورود على قبرك يا غالية.

(من مذكرات لم تنشر)