لا عذر للمصريين

TT

إلى حين قبيل تنحي الرئيس المصري محمد حسني مبارك عن رئاسة مصر، كان مقبولا القول بأن النظام قد أفسد العمل الحزبي، وأضعف تيارات مهمة في البلد، مما قوى جماعة الإخوان المسلمين رغم أنها جماعة محظورة. اليوم لم يعد هذا العذر مقبولا بالطبع، وبات على المصريين العمل بجد لضمان الدولة المدنية في مصر.

فإلى حين قبيل تنحي مبارك، كان يقول لي بعض الأصدقاء المصريين إن النظام، وعلى مدى 30 عاما، قد أفرز معارضة تشبهه، لكن اليوم اختلف الأمر، وباتت الفرصة مواتية في مصر لإعادة ترتيب الأوراق، من خلال تنظيم الأحزاب، وإعادة بنائها بالشكل اللائق، والاستفادة من الطاقات المتفجرة لدى شريحة عريضة من الشعب المصري الذي يمر بمرحلة زهو كبيرة، ويحظى باحترام دولي على مستوى الحكومات والشعوب، لكن المهم أن يتم كل ذلك من خلال الابتعاد عن المصالح الضيقة، أو الرغبات الشخصية في الزعامة وتصدر المشهد.

فالمفروض اليوم أن يكون هناك حزب جديد في مصر يضم جميع الحركات الشبابية التي كانت خلف 25 يناير (كانون الثاني). وبالطبع، فإن بينهم تباينات، لكن الأهم هو الالتئام تحت خطوط عريضة متفق عليها من قبل الجميع، وهي مدنية الدولة، وتداول السلطة، واحترام الدستور، وضمان حريات الأفراد، والإعلام، وخلافه من الخطوط العريضة. أما بالنسبة للفروق أو التباينات الأخرى فهي طبيعية في كل عمل ديمقراطي، لكن الخطوط العريضة دائما ما يكون هناك اتفاق عليها من أبناء الحزب الواحد. وهذا ما يحدث في جميع الأحزاب في الدول الديمقراطية، فهم يتفقون على خطوط عريضة، لكن تبقى هناك فروقات أخرى لا تحول بأي شكل من الأشكال دون الالتئام تحت مظلة حزب واحد، أو حزبين على أقصى حد، وذلك لكي لا تضيع الجهود، والأصوات.

ما تحتاجه مصر اليوم من الجميع هو الإحساس بالمسؤولية، والارتقاء إلى مستوى رجال الدولة، من الشباب وغيرهم، فتنحي الرئيس ليس الإنجاز الحقيقي، بل الإنجاز هو بناء مصر رائدة قوية داخليا، وذات دور حيوي خارجيا، وهذا لا يتم من خلال التمسك بالمصالح الضيقة، بل بتغليب العقل ومنطق الدولة الجامعة لكل مواطنيها. وأيا كانت توجهاتهم أو قناعاتهم، فالدولة المصرية للجميع، وليست لحزب، أو آيديولوجيا واحدة.

لذا، فإن المؤمل اليوم أن يستوعب شباب مصر، والأحزاب الأخرى - التي تحتاج إلى إعادة تقييم كامل سواء على مستوى قياداتها، أو كوادرها، وحتى منهجها - أن مصر في مرحلة تحول خطرة وتاريخية، وتحتاج إلى أفق أوسع بكثير من الرغبة في التشفي والانتقام، أو الاستئثار بالمشهد من قبل طرف على حساب كل المصريين.

محاربة الفساد أمر واجب، وإعادة التقييم مطلوبة لتخرج مصر الكثير من مواهبها، في كافة المستويات، لكن يجب ألا تكون اللحظة لحظة انتقام وحسب، بل لحظة بناء يراقبها الجميع، سواء في مصر أو خارجها. فقد كثر الذين يتوقون لرؤية مصر قوية ورائدة، وللأسف هناك مثلهم من يرى أنها فرصة لكي لا تقوم لمصر قائمة. فليت المصريين يدركون ذلك، وهذا هو الأمل والرجاء.

[email protected]