المقال (الملهلب)

TT

لست من عشاق الأكل الحار، رغم أنه يستهويني بين الحين والآخر إضافة قليل من (التباسكو) إلى مكوناته، وذلك لكي أستمتع به من ناحية، ولكي أثبت لمن يشاركني مدى شجاعتي وقدرتي على تحمل المحارق من ناحية أخرى. ولكن ذلك قد يحصل مرة واحدة فقط في الشهر، وأصبح ذلك تقليدا عندي، ففي كل شهر آكل وجبات (ملهلبة) في يوم واحد، كما أنني في كل شهر كذلك أصوم يوما واحدا ممتنعا عن أي طعام أو شراب أو مهاترات.

وأذكر عندما كنت في (نيودلهي) بالهند أن قوائم الأكل في الفنادق والمطاعم، ترتب الأصناف حسب حرارتها، فمنها من كان مرسوما أمامه (قرن فلفل) واحد، أو اثنان، أو ثلاثة، إلى أن تصل إلى أربعة وهو يعني أن طاقة من جهنم قد فتحت أمام فمك، فما عليك إلا أن تدخلها، أو تغلق فمك.

وحدثني وثقفني المرافق الهندي عن عالم (الشعوطة)، وعرفت منه أن كل ما تأكله من أطباق حارة في المطاعم ما هو إلا (لعب بزران) - أي لعب أطفال - بجانب ما يحتويه الفلفل المسمى (بهوت غلوكيا)، فقضمة واحدة منه تجعل أنفك يسيل وعينك تدمع وتشعر بحرقة بالفم تصل لمدة خمس ساعات متواصلة.

وقرأت في موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية، أنه أقوى أنواع الفلفل الأحمر وأشدها فتكا على الإطلاق، وقد تغلب على بطل المكسيك (ريد سفينا) الذي لم يحقق سوى (577000) وحدة سكوفيل، في حين أن (بهوت غلوكيا) قد حقق (1.001.304) وحدات سكوفيل.

والغريب أن لهذه الأصناف الحارقة، متخصصين لا شغلة ولا مشغلة لهم غير التذوق لفرزها واختبارها، مثل ما يتذوق المتخصصون بأنواع النبيذ أو الشاي أو القهوة أو الزيوت النباتية.

كما أنهم يجرون المسابقات على تناول هذه الأنواع المدمرة، بالكمية والسرعة، وفي العام الماضي كسبت السبق وفازت بالجائزة ربة منزل في الثلاثين من عمرها، وذلك عندما تناولت 50 قرن فلفل من (بهوت غوكيا) في دقيقتين، وظهرت على شاشة التلفزيون وهي تفرك عينيها وجلدها بالفلفل، وقالت للصحافيين وهي تتسلم الجائزة: إنه يمكن لهذه الحرارة القصوى أن تطرد الأشباح من حياتي، وما هي إلا دقائق حتى سقطت مغمى عليها.

ولفت نظري أن وزارة الدفاع الهندية اهتمت بهذا النوع الخطير، إلى درجة أنها بدأت تصنع منه قنابل يدوية بهدف مواجهة الإرهابيين ومثيري الشغب.

كما أن المصانع هناك بدأت تنتج منه عبوات أنيقة للنساء، وإنني أنصح كل امرأة تخاف على نفسها، أن تضع في شنطة يدها مثل هذه العبوة الصغيرة، ولو أن هناك ثورا أهوج حاول مضايقتها، فما عليها بكل بساطة إلا أن (تفش) في وجهه زخّة واحدة، ليدور بعدها حول نفسه كالصريع وهو يكح ويسعل إلى أن ينطرح أرضا، طبعا هذه وسيلة مؤلمة، ولكن ما على المرأة المضطرة إلا استعمالها.

غير أن الشيء الذي لم أفهمه ولم أقتنع به أو يدخل مزاجي، هو ما عرفته من أنهم يصنعون أيضا من هذه الأصناف الحارقة مستحضرات للتجميل، منها طلاء الشفاه - أو بما يسمى (الروج) -

ولا أدري كيف استعماله، ولا كيف تكون ردة الفعل لمن يحاول الاقتراب منه؟!

إنني بصراحة لا أدري، ولا أريد أن أدري، ولا أملك إلا أن أقول: يا لله السلامة.

[email protected]