عمر سليمان.. وليس الرجل الواقف وراءه!

TT

في السادسة من مساء الجمعة قبل الماضي، خرج اللواء عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية السابق، على الناس، ليعلن - في نبرات لا تزال ترن في الأذن - أن الرئيس مبارك قرر التخلي عن منصب رئيس الجمهورية، وأنه قد عهد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمهمة إدارة شؤون البلاد!

من بعدها، اختفى عمر سليمان تماما، كما اختفى الرئيس أيضا، بعد أن كان النائب قد ظهر على المصريين، بشكل مكثف، على مدى أسبوعين فقط، ابتداء من صدور قرار تعيينه نائبا، في أعقاب اشتعال حركة الشباب في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى اختفائه من الصورة، بمجرد إعلان بيان التخلي عن السلطة الشهير!

الشيء المدهش أن عشرات المواقع الإلكترونية في مصر قد انشغلت كاملا، طوال أيام، بالتعليق، ليس على بيان عمر سليمان، ولا على طريقته في إلقاء البيان، ولا على مضمون البيان، وإنما على صورة الرجل الذي ظهر في خلفية الصورة، لحظة إلقاء البيان.

آلاف التعليقات انتشرت كالعدوى، على شتى المواقع الإلكترونية، وكانت كلها تتحدث عن الرجل الواقف خلف عمر سليمان، وعن اسمه، وعن هويته، وعن سبب وقوفه بهذه الطريقة، وعن.. وعن.. لدرجة أن بعض المعلقين قد راح يرشحه لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات المقبلة!

ولا أحد يعرف، إلى الآن، لماذا انشغلت تلك المواقع بصورة هذا الرجل على هذا النحو؛ إذ لا مبرر لذلك كله، لا لشيء إلا لأن الرجل كان يعمل في مكتب عمر سليمان، منذ أن كان رئيسا للمخابرات العامة المصرية، وكان من الطبيعي أن يستقر في خلفية المشهد، في اللحظة التي كان الرجل الثاني في مصر يلقي فيها بيانا على هذه الدرجة من الخطورة والأهمية معا.

بمعنى آخر، فإن أهم ما في الصورة كان عمر سليمان، نفسه، ولم يكن أبدا الرجل الواقف وراءه، من دون أن يكون في ذلك تقليل من شأنه طبعا، فهو، ومعه أمثاله، يقفون خلف المسؤولين، في مثل هذه اللحظات، من دون أن يستوقفوا الانتباه طويلا، كما حدث معه هو!

كان الأجدر أن نتوقف جميعا عند صورة عمر سليمان وهو يلقي البيان.. فقد ألقى أكثر من بيان علينا، من قبل، لكنه في بيان التخلي عن السلطة، على وجه التحديد، كان يلقيه بكل مشاعره، وكان يلقيه بطريقة يفهم منها المشاهدون أن الرجل، وهو يتلو كلمات البيان القصيرة، يدرك تماما أهمية ما يفعل وخطورته، ويريد لإحساسه الخاص أن يصل إلى وجدان مشاهديه، قبل كلماته وحروفه التي كان يلقيها!

كان الأجدر، ولا يزال، أن نتوقف عند اسم عمر سليمان، الذي ظل الملايين، طوال 17 عاما قضاها رئيسا لجهاز المخابرات العامة، يسمعون الاسم يتردد، مقرونا بصفة الوزير، وكان الرجل طوال الـ17 عاما يؤدي مهمات كثيرة، خارج البلاد، بتكليف من رئيس الدولة، ولم يكن يتكلم في أي وسيلة إعلامية، على الإطلاق، فهذه هي المرة الأولى التي يتكلم فيها، على مسمع منا، بعد تعيينه نائبا.. ومن قبل، كانت صورته هي التي تخرج علينا فقط!

كان الأجدر بنا، ولا يزال، أن نتوقف أمام معنيين مهمين ارتبطا بظهور عمر سليمان على الرأي العام.. أما المعنى الأول فهو أن ظهوره كان قد حقق مطلبا قديما للمصريين الذين ألحوا على مدى 30 سنة، هي فترة حكم مبارك، على ضرورة أن يكون لرئيس الدولة نائب، وكان الرئيس في كل مرة يقول إن الدستور لا يلزمه بتعيين نائب، وإنه كرئيس لم يعثر بعدُ على الشخص المناسب ليكون نائبا، وعندما اضطر الرئيس، تحت ضغط ثورة الشباب، إلى تعيين نائب، لم يجد أفضل من عمر سليمان.. الانتباه هنا إلى أن اسم الرجل كان طوال السنوات الماضية يأتي على رأس أي قائمة يرى الناس أن الأسماء الواردة فيها تصلح لأن تكون في موقع النائب باقتدار.

أما المعنى الثاني المهم الذي ارتبط بظهور النائب السابق على الشاشات، فهو أنه قد انخرط في فترة وجوده نائبا في إجراء حوار وطني مع شتى القوى السياسية في المجتمع المصري.. صحيح أنه كان يفعلها بتكليف من الرئيس للوصول إلى حل للأزمة التي كانت معقدة في ذلك الوقت، لكن الذين تابعوا أداء الرجل وهو يجري الحوار، لا بد أنهم لاحظوا أنه كان يمارس دوره في هذا الاتجاه عن إيمان عميق بالحوار بين العقول كفكرة، ولم يكن يمارس الحوار على أنه مجرد وظيفة أو تكليف يؤديه، ولا يستطيع أن يتخلف عنه.

كان الأجدر بنا، ولا يزال، أن نتوقف أمام قيمة سامية، كان عمر سليمان يرسخها في كل لحظة قضاها في مكانه نائبا، وهي قيمة «الوفاء» للرئيس، وليس مجرد «الولاء» أو الإخلاص؛ فالإخلاص في مثل هذه الحالات يمكن أن يأتي من علاقة رئيس بمرؤوس، وكذلك الولاء.. لكن الوفاء يأتي دائما من علاقة رجل برجل، بصرف النظر عن موقع الأول كرئيس، وعن موقع الثاني كمرؤوس؛ لذلك فما أحسسته من متابعة أداء عمر سليمان النائب، ومن خلال جلسة جمعتني معه ضمن رؤساء تحرير الصحف المصرية، أنه كان يتصرف في كل دقيقة على أساس «وفاء» مطلق من جانبه، يحدد علاقته بالرئيس.

وحين أكمل الدكتور أحمد شفيق، رئيس وزراء مصر، أن عمر سليمان إذا كان قد اختفى من إطار الصورة، بعد إلقائه بيان التخلي عن السلطة، فإنه سوف يعود لشغل موقع مهم، بترشيح من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فأغلب الظن أن شفيق وهو يعلن ذلك على الملأ، كان في ذهنه، وفي أذهان أعضاء المجلس الأعلى بالضرورة، موقع محدد سوف يعود سليمان ليملأه من جديد، لكن السؤال هو: متى؟ وكيف؟!

وأغلب الظن أيضا أن كثيرين قد تفاءلوا بمجرد إعلان الدكتور شفيق عن أن سليمان سوف يعود في موقع مهم؛ لسبب بسيط، هو أن الذين تابعوا أداءه خلال ثورة الشباب قد آمنوا بأن لدى الرجل ما يقدمه لبلده.

لذلك كله يبقى الاعتقاد عندي أن الذين انشغلوا بالرجل الواقف وراء عمر سليمان، كان عليهم أن ينشغلوا بعمر سليمان نفسه؛ لأنه يمثل أصل الصورة، وليس مساحة الظل فيها.

* كاتب مصري