مجلس الأمن خطر على مصر

TT

هذا مقال لم ينشر، ولكنه كتب بعد انتخابات مجلس الشعب المصري بأسبوع واحد، وبلغة المرحلة أنشره هنا بنفس لغته:

بداية الخطر على الدولة المصرية هي الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ومجلس الأمن. أهم نتائج هذه الانتخابات هي أن الحزب الوطني قدم هدية للوطن في صورة ما يمكن تسميته بـ«مجلس الأمن». وهنا لا أتحدث عن مجلس الأمن الدولي، الذي هو حجر الزاوية في مؤسسة الأمم المتحدة والتي تمتلك الدول الخمس الكبرى فيه حق الفيتو. أنا أكتب هنا عن مجلس الشعب المصري الذي وصل فيه عدد اللواءات من ضباط أمن الدولة، ما يتجاوز التسعة والأربعين عضوا عن دوائر الجمهورية المختلفة.

بداية، ماذا يعني وجود ضباط الأمن بهذه الكثافة في مجلس الشعب؟

ماذا يعني وجود الأمن بهذه الكثافة في البرلمان المصري؟ هل نحن نتحدث عن نوع جديد من التحالفات داخل الدولة المصرية؟ أم أن الاعتماد على حملة البنادق والملفات في وزارة الداخلية قد زاد على حساب قوى أخرى؟ ربما هذا الاحتمال الأخير قد لا يكون واردا في أذهان البعض، ولكن كل المؤشرات تقول بأن سيطرة قوى الأمن الداخلي على المشهد هي أسطع من نهار شمس الصيف في بلداننا. ونحن لا نتحدث عن وزارة داخلية عادية، نحن نتحدث عن وزارة ما بعد (الانقلاب الأبيض) التي استطاعت أن تجعل ليس الحزب الوطني وحده، وإنما العديد من الأحزاب مجرد واجهة للأجهزة الأمنية.

ولكن ما هو الانقلاب الأبيض الذي أتحدث عنه هنا وأجعله علامة فارقة في تاريخ مصر السياسي لنقيس به الأحداث، بما في ذلك انتخابات مجلس الشعب الأخيرة التي أدت بنا إلى مجلس الأمن؟ ظني أن مجيء وزير الداخلية الحالي السيد حبيب العادلي إلى سدة الوزارة هو بداية الانقلاب. فبنقل وزارة الداخلية من سيطرة ضباط الأمن العام والمباحث العامة إلى سيطرة ذلك الجهاز الجديد المعروف بأمن الدولة على مقاليد الوزارة، يكون قد تغير الوضع، وبدأ الانقلاب الأبيض التدريجي، فسيطر رجال الأمن السياسي على الوزارة. دفع ضباط أمن الدولة بزملائهم إلى الحصانة البرلمانية لحمايتهم من المساءلة القانونية، خصوصا أن كثيرين منهم يمكن أن تطالهم قضايا مدنية أو دولية في أمور كثيرة أولها التعذيب. دفع الجهاز بهم إلى البرلمان من أجل الحصانة البرلمانية وحمايتهم كأشخاص، وهذا أمر يحمد لجهاز يريد المحافظة على رجاله السابقين وبث الثقة في رجاله الحاليين، كما أنه تكتيك ذكي من الجهاز أن يخلق لنفسه ذراعا شعبية تدافع عن مصالحه في البرلمان.

والسؤال هو هل هذا الجناح أو التمثيل الشعبي للوزارة في البرلمان هو أمر إيجابي نتأمل منه خيرا، أم أنه مؤشر سلبي ونذير شر؟ ظني أنها الثانية، وسأركز هنا على قضية واحدة؛ وهي أن وجود جناح أو ذراع شعبية للداخلية في البرلمان يخدم بالتأكيد رجالات الوزارة، لكنه لا يعني بالضرورة وعيا بالمشاركة، بل هو مؤشر لتفكك مستقبلي للدولة، حيث يعد ذلك سابقة قد تقلدها الوزارات السيادية الأخرى، بحيث يكون لكل منها ذات التمثيل إما في البرلمان أو في غيره، وفي إطار هذه المنافسة المحمومة على التركة، قد ينفرط العقد. وربنا يستر.

مجلس الأمن مؤشر خطير وخطير جدا، لأن الداخلية بعد الانقلاب الأبيض تضع نفسها وكأنها القوة الوحيدة المخولة حماية الوطن، وهذا ليس صحيحا. محاولة تهميش قوى كبرى داخل المجتمع قد تخلق تصادما كبيرا يهز المجتمع المصري هزات قد تصل إلى 9 بمقياس ريختر، أي زلزلة كبيرة وهو ما لا نتمناه.

ما هو الحل لتجنب هذا التصادم الكبير؟ الحل في يد الرئيس، وهو أن يقوم بدور الرئيس السادات عندما قدم لنا هدية المنابر، فليقرر الرئيس أن يفرز المجلس الحالي إلى ثلاثة أحزاب، أن يقول للعضو الفلاني أنت روح هنا في اليمين، وللثاني أنت روح هناك في اليسار، وللثالث أنت خليك هنا في الوسط، وسيتبع الأعضاء ما يقوله الرئيس؛ خصوصا أنه لا يوجد عضو واحد في المجلس لديه آيديولوجية أو رؤية معروفة غير الطاعة العمياء، وسيفعلون «دونما إحم ولا دستور»! على الأقل يكون لدينا منظر معارضة. وقد فعل السادات ذلك في السابق، ونفعت، فليجربها مبارك، كما يقول المصريون «جربناها ونفعت». فمجلس الأمن بصورته الحالية هو بداية لتفكيك الدولة المصرية، خصوصا أن هناك قوى أقوى بكثير من الداخلية لن تقبل بمثل هذه السيطرة.