السعودية: مؤتمر «تعلم فريد لجيل جديد»

TT

من سمات المجتمعات المتقدمة الاستعداد والتخطيط للمستقبل وتحدياته، ويعتبر التعليم من المجالات التنموية المهمة التي تحظى بالرعاية والعناية والتخطيط المستقبلي المتزايد، فهناك حاليا تخطيط عالمي لتعليم المستقبل، سوف تختفي معه المدارس والجامعات بالصورة التقليدية والنمطية الحالية.

والسؤال الذي يفرض نفسه: هل خططنا وفكرنا وتصورنا صورة مدارس وجامعات المستقبل، أم أن التخطيط للمستقبل عموما لا يعنينا ما دام هناك آخرون يتخيلون ويفكرون ويخططون لنستورد في النهاية فكرهم ومخططاتهم؟

مدارس وجامعات المستقبل سوف تكون من دون كتب مدرسية ومذكرات جامعية، ومن دون معلمين ومعلمات، ومن دون دروس خصوصية وقلق وتوتر من الاختبارات والامتحانات، ومن دون مبان ومصاريف جامعية باهظة ومواصلات للانتظام في الدراسة وحضور الدروس والمحاضرات، إلى آخر ذلك من قوائم ولوازم ومصاريف التعليم التقليدية الحالية.

قد يبدو هذا الأمر صورة من صور الخيال العلمي، قد يتمناها ويقبلها البعض، وقد يرفضها البعض الآخر، ولكن شئنا أم أبينا هذه هي صور التعلم المستقبلي الفريد للأجيال الجديدة، والتي أخذت في التحول إلى حقائق واقعة في الكثير من جوانبها، وبخاصة مع التطور المذهل والمتزايد في تقنيات المعلومات والاتصالات. الآن بإمكان المعلم والأستاذ الجامعي التقليدي الحقيقي أو الافتراضي أن يلقي دروسه ومحاضراته من مدينة أو دولة وطلابه في مدينة أو عدة مدن أو دول أخرى، وهم يتابعونه في منازلهم فرادى أو مجتمعين من خلال شاشة كومبيوتر، وبإمكانهم طرح الأسئلة والاستماع للإجابات في نفس الوقت، الأمر الذي سيوفر مباني ومواصلات ومصاريف دراسية باهظة، كما أن التدريس وإجراء الامتحانات عبر الإنترنت سيمكن من الاستغناء عن قاعات ومباني التدريس والمكاتب والموظفين الإداريين، إلى غير ذلك من صور واعدة لتعليم مستقبلي يستخدم الوسائط الرقمية المتنوعة الحديثة في خلق بيئة تعليمية تفاعلية غنية بمصادر التعلم، تساهم بالتالي في تحسين وجودة مخرجات التعليم.

يشير «بيتر بلانتيك Peter Plantec» في كتابه «البشر الافتراضيون Virtual Humans» إلى أن المعلم الافتراضي سيلعب دورا كبيرا في المستقبل في مجال التعليم، فالطريقة التقليدية للتعلم في طريقها للاختفاء، وعندما يوضع كتاب مدرسي على قرص ينتهي الكتاب المطبوع، ويصبح بالإمكان تعديل المعلومات، ويمكن للمعلم الافتراضي في هذه الحالة التزود بالمعلومات أولا بأول، وبذلك نتخلص من المعلم التقليدي، ونعطي لكل طالب معلما واحدا خاصا به، مما يفيده أكثر، فالمعلم الافتراضي سوف يتذكر ما تعلمه الطالب وما لم يتعلمه، وبالتالي لن ينتقل الطالب إلى المادة الدراسية التالية إلا إذا أتقن المادة السابقة، وإذا كان لدى الطالب مشكلة، فإن المعلم الافتراضي يستطيع أن يجرب معه طرقا تعليمية أخرى لشرح المادة، بما فيها عرض الوسائل والوسائط التعليمية التفاعلية المساعدة على الشاشة، ومن خلال الحوار التفاعلي المتبادل بين الطالب والمعلم الافتراضي يستطيع المعلم الافتراضي التعرف على الحوافز المناسبة لإثارة دافعية الطالب.

من هذا المنطلق يأتي «المؤتمر السعودي العالمي الثاني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد»، تحت شعار «تعلم فريد لجيل جديد» في الفترة من 21 – 24 فبراير (شباط) الحالي، والذي تنظمه وزارة التعليم العالي ممثلة في «المركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد»، كخطوة تنموية رائدة لتلبية احتياجات الحاضر والاستعداد لتحديات المستقبل، ولدعم منظومة التعليم ومتطلبات التنمية الوطنية، حيث ساهم مجال التعلم الإلكتروني في فتح آفاق واسعة نحو التعلم التفاعلي المستمر الذاتي المرن، في بيئة تفاعلية غنية بمصادر التعلم، تسهل تدفق المعلومات والخبرات بأساليب تربوية حديثة.

وسوف يشارك في هذا المؤتمر العالمي المهم الكثير من المتحدثين الدوليين والمحليين، من أبرزهم السير «تيم بيرنرز لي» مخترع شبكة «الويب» (الإنترنت) العالمية، و«جيمي ويلز» مؤسسة موقع «ويكيبيديا»، وسوف يصاحب المؤتمر الكثير من الفعاليات، منها أكثر من 24 ورشة عمل، و60 عارضا للتعرف على أحدث تقنيات التعلم والاتصال.

تطوير التعلم الإلكتروني والتعليم عن بعد أصبح ضرورة عاجلة لمواكبة والاستفادة من ثورة المعلومات والاتصالات العالمية الهائلة والمتسارعة، ولتلبية حاجات واحتياجات الأجيال الجديدة. ولهذا، فمن المهم التوسع في نشر ثقافة التعلم الإلكتروني في المجتمع، وإعداد وتأهيل مؤسساتنا التعليمية للاستفادة من مزايا وتطبيقات هذا النوع من التعلم بما يحقق جودة التعليم ومجتمع المعرفة، ويعزز من أهداف خطط ومتطلبات التنمية الوطنية.