لبنان.. بين ادعاء الثورة وواقع «الثورة المضادة»

TT

«أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب»

(مثل شعبي مصري)

بينما تتأجج المنطقة العربية بفعل ترددات ثورتي تونس ومصر، يكاد المتابعون ينسون أن ثمة شيئا ما يغلي في لبنان، إحدى أكثر بؤر المنطقة خطورة.

فحتى تاريخ كتابة هذه السطور كان لبنان لا يزال بلا حكومة، وحزب الله يتصرف - كما هو حقا - على أنه السلطة الشرعية في البلاد، وهذا وسط تصاعد الانتقادات لـ«الفيتو» الأميركي الجديد ضد مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي.. والزيارة «الميمونة» لقطعتين بحريتين إيرانيتين لمياه البحر الأبيض المتوسط.

طبعا، مهما حاولت الدبلوماسية الأميركية تبريرها «الفيتو» بذرائع «تقنية» للمحافظة على ورقة التوت، فإن الضرر قد وقع. وكل الرصيد الذي كان من الممكن لواشنطن قطفه بعد موقفها المنسجم مع شعاراتها الديمقراطية والمثالية، إزاء التغييرين في تونس ومصر، تبخر فجأة في تصويت يؤكد، من جديد، الشك بإمكانية إدراك الإدارات الأميركية وجود علاقة جدلية مباشرة بين فجور العدوانية الإسرائيلية وتنامي التيارات الأصولية والراديكالية في العالم العربي.

اليوم، بطريقة أو بأخرى، التطرف الإسرائيلي والتواطؤ الأميركي هما الحليفان المستتران لقوى التطرف والتشدد في الشرق الأوسط. وإذا كانت واشنطن تتصور أنها في «تسهيلها» تقدم بعض الدول العربية نحو الديمقراطية ستتمكن من التمويه إلى ما لا نهاية على التزامها غير المشروط بدعم إسرائيل، فإن الآتي من الأيام قد يثبت العكس.. فـ«شرعية» أي حكم عربي ستعتمد على مبدأ حق تقرير المصير في الأراضي الفلسطينية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.

وفي لبنان، تدرك إسرائيل جيدا طبيعة النزاعات الفئوية المحلية، وأبعادها التاريخية، وارتباطاتها الإقليمية، ومع ذلك فإنها تتصرف كما لو كانت آخر من يعلم. واليوم، تهدد إسرائيل حزب الله بالكلام.. لكنها تخلق له على الأرض كل المبررات للتحرك، والتسلح، وتخوين الآخرين، والإمعان في إلغائه الممنهج للدولة ومؤسساتها. ويمكننا هنا استعارة «الحالة اللبنانية» وتوسيع إطارها إقليميا، والنظر إلى تهديد إسرائيل اللفظي لإيران، بينما توفر عمليا أفضل تربة صالحة للتغلغل الإيراني في المشرق العربي.

السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، في خطابه الأخير هنأ بالثورة المصرية وكاد يعلن أبوته لها، واعتبر أنها تأتي رافدا للسياسة الإقليمية التي يلتزم بها، على أساس أن الصراع في الشرق الأوسط لا يخرج عن خيارين، أو جبهتين، هما: طهران أو واشنطن - تل أبيب. وبالتالي، فكل من هو ليس في صف طهران يكون حتما في الصف الآخر. غير أن مثال حزب الله يشكل النقيض لكل ما جسدته وتجسده ثورة «25 يناير» في مصر، وفيما يلي بعض التناقضات:

أولا: «ثورة يناير» أطلقها شباب أعزل ومنفتح ثقافيا وغير ملتزم طائفيا، على غرار «انتفاضة الاستقلال» اللبناني يوم 14 مارس (آذار) 2005.. التي قاومها حزب الله، المسلح و«الثيوقراطي»، ولا يزال يعمل على ضربها حتى اليوم.

ثانيا: «ثورة يناير» كانت ملتزمة منذ البداية بمفهوم «دولة المؤسسات»؛ فلم تتآمر على الجيش، ولم تواجهه أو تخونه، وهي متحمسة بصورة واضحة للعودة إلى مفهوم الدولة المدنية، وإلغاء حالة الطوارئ، وإعادة الاعتبار للمحاكم المدنية، وتعديل الدستور لكي يستوعب التعددية الفكرية والسياسية ويساعد في صيانة الحريات العامة ونمو ثقافة ديمقراطية حقيقية.. أما حزب الله فهو ضد هذه المبادئ كلها بلا استثناء.. فهو «جيش» بديل للجيش الشرعي، وهو قوة مسلحة ضد قيام الدولة المدنية، وهو مع فرض حالة طوارئ لا تنتهي باسم «المقاومة». ثم، من واقع متابعة رفضه المحاكم والمحاكمات، فهو لا يعترف باستقلالية القضاء ولا يؤمن إلا بـ«عدالته» هو، أما عن التعددية الفكرية ومدى إيمانه بها فخير دليل «غزواته» الموسمية المسلحة وترويعه خصومه واصطناعه دمى يطرحها كأطراف حوار سياسي، لا يريده ولا هو مقتنع به.

ثالثا: «ثورة يناير» قرارها داخلي ووطني ولم تأخذ تعليماتها أو أوامرها من جهات خارج حدود مصر، وهذه حالة، مع الأسف، لا تنطبق لا على حزب الله (التابع فقهيا وسياسيا لمرجعية غير لبنانية وغير عربية) ولا على الدمى التي اصطنعها ودعمها بأصواته الانتخابية لكي تدخل الندوة البرلمانية، فيتستر خلفها، بينما يواصل عمله الدؤوب على نسف الدولة.

حزب الله في حقيقة الأمر ليس حالة ثورية.. بل هو «الثورة المضادة».