نمور الأناضول الاقتصادية

TT

عندما تعيش بالخارج وتزور تركيا، تذهلك سرعة التغيير الذي تشهده البلاد. إلا أنه على امتداد الأعوام الـ10 الأخيرة، أصبح النمو الذي تحققه البلاد باديا للعيان حتى لو كنت تعيش داخل تركيا وتراقب عن كثب التطورات اليومية. ولا شك أن هذه الحيوية الاقتصادية القائمة بالجوار مهمة لأوروبا التي تتحرك نحو الشيخوخة وتتباطأ حركتها. كما تشكل تركيا نموذجا يحتذى به في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وما تزال اسطنبول قاطرة البلاد، رغم كل مدن إقليم الأناضول التي بدأت في الصعود في السنوات الأخيرة كمراكز للنمو لقطاعات مختلفة. ومن المأمول أن يسهم ذلك في إبطاء حركة الهجرة من الأناضول إلى إسطنبول. وتتميز المجالس التجارية في هذه المراكز بنشاط كبير، وتتعاون مع المجالس المحلية لتطوير بنية تحتية وإقرار صلات دولية ومحاولة التحول لمراكز إنتاجية لقطاعات بعينها.

من بين الأمور المهمة التي لا ينبغي أن نغفلها أن هذه التحركات تلقى دعما من قبل شركات ومؤسسات ضخمة في إسطنبول. واضطلع «اتحاد الصناعة والتجارة التركي» بدور نشط للغاية في نقل المعرفة وإقامة علاقات مع منطقة الأناضول لتعزيز النمو. كما يجري بذل جهود فردية من جانب بعض الشركات العاملة في اسطنبول في هذا الصدد، من بينها «غارانتي بانك». وتحت مسمى «محادثات الأناضول»، يسافر مسؤولون إداريون ومتحدثون رفيعو المستوى لمدن مختلفة بالأناضول لنقل المعرفة وتبادل المعلومات. أيضا، يقوم «اتحاد الغرف التجارية» بدور نشط للغاية في دعم المؤسسات لمعاونتها على تحقيق نمو صحي. والواضح أن الحكومات تدعم هذه الجهود عبر برامج تحفيز لتنظيم هذه التطورات.

خلال فترة سابقة، اعتاد الزائرون الأجانب قصر زيارتهم على اسطنبول وربما أنقرة حال قدومهم البلاد لأعمال تتعلق بالحكومة. الآن، أصبحوا يسافرون لمختلف أرجاء البلاد. وتتمتع مدن الأناضول بمطارات وفنادق رائعة. ويجري تعليم الأجيال التركية الجديدة طبقا لمعايير عالمية. وتمكن الاستثمارات في الآلات والعمالة الماهرة هذه المؤسسات من تحقيق مستوى مرتفع من الجودة بأسعار معقولة. ويعد قرب تركيا، التي يتجاوز عدد سكانها 70 مليون نسمة، من أوروبا عاملا مهما في الصادرات التي تتوافد على سوقها. وبمبادرات ودعم من الحكومة، التي عكفت على توقيع اتفاقيات تجارية وإلغاء الفيزات مع دول متنوعة ما بين روسيا ودول أفريقية، ظهرت أمام البلاد أفق جديدة.

ومثل أشقائهم في اسطنبول، يخضع نمور الأناضول لملكية عائلية. وتتطلب المؤسسات التجارية المملوكة لعائلات فرض توجهات تجارية متوازنة مع وصولها إلى حجم معين. لكن للأسف ما يزال العاملون أصحاب الخبرة الذين بإمكانهم إضافة قيمة للمؤسسات والشركات متركزين بالمدن الكبرى. ولن يكون من السهل على امتداد المستقبل القريب اجتذاب مسؤولين تنفيذيين بمؤسسات كبرى للعمل والعيش بمدن صغيرة. لكن مرة أخرى نجد أن الأمور تتبدل بسرعة بالغة. ومع إبداء المستثمرين والصناديق الاستثمارية الخاصة اهتماما متزايدا على هذا الصعيد، سنعاين تطورات جديدة وسيعيد تاريخ الأناضول نفسه كمحور لامتزاج الثقافات.

* مؤسس منظمة «استفنتشرز» التي تدعم عمل الشركات الدولية في تركيا، وكذلك الشركات التركية في عملها بالخارج وخطط توسعها الدولي

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية