العراق والاقتصاد الجديد

TT

وصلتني نسخة من الرسالة التي وجهها كاظم حبيب للسيستاني يرجوه فيها التدخل للحد من كل هذه الزيارات المليونية لكربلاء والنجف. يظهر أن المرجعية اكتشفت أن الرفيق كاظم يساري قديم ربما ما زال على إيمانه بالماركسية، فرموا برسالته في الزبالة واستمرت الزيارات وتعاظمت حتى تجاوزت عشرة ملايين زائر في الأربعينية الأخيرة، أي أكثر من ثلث الشعب. كان من أسباب دعوته هذه أن هذه الزيارات أصبحت تعطل الأعمال وتوقف الإنتاج، وكأن العراق ينتج أي شيء الآن. ولكن يظهر أن هذا الباحث السياسي لم يطلع بعد على الاقتصاد العراقي الجديد. وأنا كواحد مهووس بمصالح الفقراء أرى من واجبي توضيح المزايا الاقتصادية لهذه الزيارات في أثرها على الفقراء والمحرومين والعاطلين.

ما يحصل الآن هو أن الكثير من الأغنياء ممن يطمحون لمكان في الجنة بنيل محبة الحسين ينفقون جزءا مما نهبوه من قوت الشعب وأموال الدولة في إقامة خانات ومطابخ للزوار في دروبهم الطويلة نحو العتبات المقدسة عند الشيعة يجهزون فيها منامات ووجبات طعام سخية. ولما كانت المسيرة تستغرق عدة أيام ذهابا وإيابا لهذه الأماكن والإقامة فيها، فأرى أن هذه الزيارات تعطي الفقير والمحتاج خير فرصة لملء بطنه بالطعام لعدة أيام. ربما يذوق اللحم والتُمَّن لأول مرة في حياته. يقطعون النهار بالسير والليل بالجلوس وتبادل السلام والكلام. وهي فرصة لاختلاط الجنسين في إطار روحي حزين وجميل قد يسفر عن زيجات حلال تكثر بفضلها أمة محمد عددا وعزة. والثمن زهيد، بضع ساعات لطم وبضع دقائق بكاء.

فضلا عن ذلك، تعطي هذه الزيارات فرصة عمل للكثير من خريجي الجامعات العاطلين. يشتغلون خلالها في الطبخ والغسل والكنس وخدمة الزوار وتضميد أقدامهم وإسعاف مرضاهم حتى تسنح لهم الفرصة للحصول على جواز سفر مزور يمكنهم من هجرة هذا البلد التعبان. هذا ما كان يفعله أحد اللاجئين العراقيين، مهندس كهربائي رأيته يشتغل طباخا في مطعم بلندن. سألته كيف تعلمت فن الطباخة. قال من الطبخ في عزاءات الحسين.

هذه كلها يا دكتور كاظم جوانب لم تلتفت إليها في حساباتك. فهذا المهندس ترك العلم الذي لم ينفعه وتعلم ما ينفع بفضل هذه الكرامات التي أصبحت ماكينة الاقتصاد العراقي الجديد. المطلوب منك وغيرك من المفكرين مناشدة المرجعية إكثار هذه الزيارات لا بتقليصها أو الحد منها، والتفتيش في التراث عن أحداث ومناسبات، ولادات ومماتات واستشهادات، تصلح لزيارات لطمية جديدة تضاف للقائمة الحالية بحيث لا يمر يوم أو على الأقل، لا يمر أسبوع واحد بدون أن تكون هناك زيارة مليونية لضريح من الأضرحة. فهذه هي الفرصة الوحيدة لتشغيل العاطلين وإطعام الجائعين وإسعاف المرضى والمقعدين في عراق اليوم.

ولا ننسى أن هذه الزيارات تعطي المليون أرملة الفرصة الوحيدة لممارسة الرياضة بالخروج من بيتهن والسير عدة أميال يوميا واللطم على صدرهن لعدة ساعات. وكله مما أوصاني به الطبيب وقصرت بحقه لعدم وجود زيارات حسينية في بريطانيا.