الأبناء أسقطوا الآباء

TT

حديث سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، أمس، عن القتال حتى الرصاصة الأخيرة واللجوء إلى السلاح لمواجهة الاحتجاجات المستمرة منذ عدة أيام، يحمل معه عدة دلالات وأسئلة أيضا.

فليبيا أصبحت اليوم بؤرة غضب الشارع وعاصفة التغيير التي تجتاح الدول العربية الآن، وبدأت بتونس، والجميع قالوا وهم مطمئنون: نحن لسنا تونس. ثم جاءت الثورة في مصر، ليقول سيف الإسلام عدة مرات في كلمته: نحن لسنا تونس ولا مصر.

بالتأكيد هناك فوارق بين مجتمع وآخر، وقد تختلف المطالب، لكن هناك مشهد واحد تقريبا في عدة جمهوريات عربية كان بين أسباب الثورات والاحتجاجات، وهو وقوف الأبناء في الخلفية استعدادا لوراثة الآباء على كرسي الحكم، وهو ما يتناقض أصلا مع فكرة النظام الجمهوري، والعقد الاجتماعي المبرم، وأدى إلى ظهور مصطلحات الجمهوملكيات والجدل الذي كان قائما طوال سنوات في عدة جمهوريات عربية حول سيناريوهات التوريث.

وفي حين أن ثورة تونس أسقطت حكم العائلة الجمهورية، فإن ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر أسقطت فكرة الجمهوملكيات أو التوريث الجمهوري، ليس في مصر وحدها ولكن في بقية الجمهوريات المرشحة لذلك. فاليمن الذي يشهد منذ أكثر من أسبوع احتجاجات واسعة قد تتباين أهدافها من منطقة إلى أخرى، أكد الرئيس اليمني أنه لن يكون هناك توريث للسلطة في اليمن، كما تعهد بأنه لن يترشح مرة أخرى، وأصبح واضحا أن سيناريو التوريث حتى لو كان نجح في إحدى الحالات فإن الطريق أصبح مسدودا أمام استنساخه مرة أخرى.

لقد كان حديث سيف الإسلام القذافي غاضبا ومهددا في نفس الوقت إزاء الانتفاضة التي تشهدها ليبيا، لكن السؤال الذي لا بد أن المتظاهرين يطرحونه على أنفسهم هو: لماذا خرج هو ليتحدث إلى الناس؟ فهو ليس لديه منصب رسمي، والأحرى في هذه المواقف أن يخرج رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو حتى وزير ليتحدث إلى الناس.

لقد قامت جمهوريات عربية كثيرة في عصر ما بعد الاستقلال والتحرر على مبادئ العدالة الاجتماعية والتحرر الوطني وشعارات ثورية كبيرة ومغامرات خارجية بغرض «تحرير العالم» أهدرت فيها أموال ضخمة، لتنتهي بما يشبه الحكم العائلي الذي يريد استنساخ نفسه عبر التوريث، وهو ما أغضب الناس، لأنه سد الطريق على الأمل في التغيير حتى ولو بقضاء الله، وبالتالي أسهم الأبناء الطامحون في إسقاط آبائهم.

الغريب أن المسألة لم تكن تحتاج إلى عبقرية شديدة لرصد حالة التململ التي كانت قائمة في الدول العربية التي تعصف بها رياح التغيير، ولكن يبدو أن الاستسلام للأمر الواقع خاصة من جانب الأجيال الأكبر وضع غشاوة عن رؤية حجم الغضب والتململ لدى أجيال الشباب، الذي رأى بحق أن الطريق نحو الحصول على احترام العالم لبلاده هو أن يكون الاحترام داخليا أولا للشعب من قبل حكوماته.