راية ونشيد

TT

كان العالم قد عود نفسه، بعد 42 عاما، على خطب الأخ قائد الثورة، فإذا بنجله سيف الإسلام يقلب حتى قانون المفاجآت. الأولى: أنه في غياب والده، أطل على ليبيا والعالم، من دون أن يحدد صفته. الثانية: حتى إطلالته، كان العالم يعتقد أن ليبيا جماهيرية سعيدة يجب تعميم نظامها وسعادتها وفلاحها، على المنظومة الأرضية، كخطوة أولى، فإذا برئيس «مؤسسة القذافي الإنسانية» يقول إن ليبيا دولة قبائل ومؤلفة من ثلاث ولايات، وكأننا لا نزال في زمن برقة وطرابلس وفزان. وفي أي حال، الملكية هي التي وحدت البلاد.

وكنا نعتقد أن ولاء الشعب للأخ القائد مسألة مغلقة، فإذا نجله يريد أن يقاتل الليبيين حتى آخر رصاصة وآخر طفل وآخر طفلة. وكنا نعتقد أنه ليس من نظام أفضل من الكتاب الأخضر، فإذا بسيف الإسلام يعد مواطنيه، بعد 42 عاما من الجماهيرية الأولى، بجماهيرية ثانية مزينة بعلم جديد ومحلاة بنشيد وطني جديد ولا علاقة لها بالأولى.

أحب أن أعترف، صادقا ويائسا، أنني كنت أتطلع إلى يوم يصل فيه سيف الإسلام القذافي إلى منصب الأخ القائد، على أساس أن ذلك هو الحل الوحيد المحتمل أمام 6 ملايين ليبي.. فهو رجل يعرف العالم الخارجي، وليست هوايته تربية النمور في المقر الجامعي مثل شقيقه، وهو لا يقود سيارته بالاتجاه المعاكس في الشانزليزيه، ولا يعلن الجهاد المقدس ضد سويسرا لأنها حاولت مساءلته حول معاملة عمال الفندق، وإلى ذلك فإن له مؤلفا، كما أن للمؤلف عنوانا خارقا: «ليبيا والقرن الواحد والعشرون»!

إذن استشراف القرن في جامعة كاليفورنيا يعني لصاحبه أن ليبيا إنما هي بلد قبائل وولايات، وأن الحل ليس في «النظرية العالمية الثالثة» التي وضعها «الرجل الذي غيَّر وجه التاريخ» وإنما في جماهيرية جديدة لها نشيد وطني جديد (لم يعرض نصه ولا لحنه). وكرر القول مرات: إن ليبيا (يقصد الجماهيرية العظمى) ليست مصر ولا تونس.. فهما دولتان سويتان تحتملان التغيير، أما بلاده فقبائل سوف تقوم على بعضها البعض وولايات ستنفصل عن بعضها البعض في اللحظة التي نفقد فيها حكم القائد الموحد.

إلى متى يمكن الاعتماد على حكم اللجان؟ إلى متى سوف يظل 6 ملايين بشري يعيشون على تنقل الأخ قائد الثورة بين الوحدات العربية الفورية وبين اتحاد أفريقيا العظيم؟ وهل كان ملك ملوك أفريقيا، الذي وحد القارة وأقام مجدها، يحكم على دولة قبائل وولايات؟ وإذ راح الابن الأوسط يعد بجماهيرية ثانية، مزينة بعلم جديد، ألم يخطر له أن يسأل لماذا يفعل ذلك؟ ممَّ تشكو الجماهيرية الأولى؟ هل كان كلُّ ما ينقصها علما ونشيدا، وربما فصل إضافي من الكتاب الأخضر الذي أوضح صاحبه أن الهدف منه وضع حد نهائي للحكم الديكتاتوري في الكرة الأرضية، بالتواضع المعروف؟