كثير من العلم وقليل من الأدب!

TT

لو كان أستاذ أساتذتنا لطفي السيد باشا موجودا لأسعدته الثورة المصرية. إنها ثورة شباب جديدة في معناها وأدائها.

فقد كان لطفي السيد باشا يشير إلى النابهين من أبناء بلدتنا المنصورة: أم كلثوم والسنباطي والفنان مختار والشعراء كامل الشناوي ومأمون وهيكل باشا وعلي محمود طه والغمراوي وإبراهيم ناجي وسعيد عبده وعلي محمود طه وصالح جودت. وكان يقول: كثيرون وكثيرون ولكن.. أما ولكن هذه فهي فتجيء عندما يتحدث عن الذي يبني مصر، ويقول: كثير من العلم وقليل من الأدب. لن تتقدم مصر إلا بالعلم وإلا بالشباب، أنتم المستقبل.

وكنا صغارا ولا نعرف ما الذي يمكن أن نعمله وليس بيننا أحد يدرس العلم أو الطب أو الهندسة فكلنا يدرس الأدب والقانون - يعني أن مصر ليست في حاجة إلى مثلنا من الذين صناعتهم الكلام.

أو بعبارة أخرى، إنه لا يتحدث إلينا وإنما يريدنا أن ننقل هذا الكلام إلى زملائنا. وكانت فرحتنا بأن لطفي السيد باشا قد قابلنا. قد جلسنا إليه. وقال وسمعنا. وأحيانا قليلة سألنا. ولكنه ماض في كلامه، رغم مرضه وضعف قوته، فكنا نشفق عليه من هذا الحماس وهو يحاول أن يخطب محركا ذراعيه. وإذا حاولنا أن نساعده كان يقول: أنا انتهيت. ساعدوا مصر. ساعدوا أنفسكم، اصنعوا المستقبل.. لن يفعل ذلك أحد.. لا أحد إلا أنتم. تعلموا.. ازرعوا بالآلات الحديثة.. أقيموا الجسور والعمارات والمستشفيات وغيروا نظاراتكم القديمة التي تنظرون بها إلى الدنيا.. إنكم شباب ولكن أفكاركم قد شاخت إنها أفكار آبائكم وأجدادكم. لا تنسوا أنكم شباب. عيشوا شبابا فكروا شبابا.. مصر أمانة في أيديكم. تعلموا واتعبوا ولا تناموا. واصبروا يا شباب.

ثم يشعر أننا أرهقناه فيعتذر ويطلب إلينا أن نضع الغطاء عليه لينام. وننصرف. ولكن نعود إليه. ويكرر بلا ملل. ومعنى ذلك أنه يشتمنا بأدب ويثير نخوتنا.. ولو كنت في مكانه لقلت: أنا تعبت منكم يا أولاد الـ... افهموا بقى!

وبعد خمسين عاما فهمنا. ولعله سعيد في قبره!