ماذا يتوقع السعوديون من ملكهم؟

TT

المراقب لما يحدث في الرياض من مظاهر ترحيب، والمستمع لأحاديث المجالس حول عودة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز من رحلته العلاجية، يظن أنه يعيش في زمن مختلف عن عام 2011 الذي ابتدأ بأحداث ساخنة لم تتوقف حتى الآن، عالم بعيد عن أنباء الحكام الهاربين، والأصوات الغاضبة، والشوارع الغارقة في الفوضى.

من النادر أن تتوحد أطراف الاختلاف حول شخصية واحدة، والحاكم، باعتبار وظيفته، هو شخصية مختلف عليها. في الولايات المتحدة ولأنها معقل النظام الديمقراطي، لا تسمع إلا نقدا لاذعا لكل خطاب يتفوه به الرئيس وكل خطوة يشرع في عملها، تستمتع لهذه الأصوات في قاعات الاجتماعات، مرورا بالقطارات وسيارات الأجرة وحتى المقاهي الشعبية، يقابل هذه الأصوات الخطاب المضاد الذي يرى أن أوباما رجل يملك همة التغيير، لكنه جاء في ظروف استعصى عليه فيها تنفيذ وعوده، وهذه النقاشات هي جزء من ساعة القهوة في ستاربكس صباحا تنتهي بالتبسم والأمنيات بنهار سعيد.

في هارفارد، الجامعة الأميركية العريقة، دار نقاش حول الحكام، وكانت أزمة تونس للتو قد انتهت وبدأت أزمة مصر، فسألتني زميلتي في المكان: سمعنا أن لديكم ملكا صالحا، مهتما بالتعليم. أكدت لها المعلومة، قلت لها إن الإسلام فرض على الحاكم واجبات محددة، ولأن الإسلام دين الأزمنة كلها، ولأن الأزمنة تتحول، فالواجبات تتقدم وتتأخر وتتحول كذلك، وفي عصرنا هذا؛ التعليم يكافئ العدالة في أهميته كحق من حقوق المحكوم على الحاكم؛ لأن المحكوم لا يستطيع أن يحصل على حقه بلا تعليم نوعي.

لم أجد تفسيرا لاختيار الزميلة الأميركية موضوع التعليم تحديدا إلا لأن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الذي أرسل 30 ألف مبتعث ومبتعثة إلى الولايات المتحدة وحدها قد أصدر وميضا يدل على أن خلف هذا البرنامج رجلا صالحا بحق.

بالفعل في السعودية الوضع جدير بالتأمل، فكبرى المشكلات التي تواجه الشباب السعودي اليوم هي البطالة، ومع ذلك ينظر هؤلاء الشباب للحاكم على أنه يتفهم استياءهم وإحباطهم والوحيد القادر على فك أزمتهم، وهي نظرة تطلع وثقة أكثر منها غضبا أو حنقا، هذه العلاقة الساكنة لها ارتباط بطبيعة شخص الملك عبد الله، التي يستشعر فيها المرء الكثير من لين الجانب والأريحية في التعبير، ليس بها زيف الفاسدين ولا قسوة الجبابرة، وفيها الكثير من العفوية التي تقابلها الشدة في الدفاع عن الانتماء والمبدأ الوطني، نتذكره في قمة شرم الشيخ 2003 عندما تصدى للرئيس الليبي معمر القذافي حينما حاول الأخير الطعن في مواقف المملكة.

السعوديون لا يعيشون في خير كامل، بل يعانون بطالة تزداد مع الوقت، ويعلمون أن بلدهم مستهدف من الإرهاب، فتنامى عندهم الهاجس الأمني، والمرأة السعودية تحاول كسب المزيد من النقاط لصالح وضعها الاجتماعي والاقتصادي، وهناك تحديات التعليم والصحة، إضافة إلى التصحر وقلة الموارد المائية، كما أن البلد ليس خاليا من الفساد المالي والإداري. هذه كلها أمور مقلقة ويخشى السعوديون من تفاقمها، ومع ذلك استطاعوا أن يحتفظوا بمشاعر إيجابية نحو الملك عبد الله؛ لأنهم يعلمون أن هذه الهموم مشتركة بين الحاكم والمحكوم. فلا شيء يضع الفجوة بين الحاكم وشعبه مثل تباين الهموم والاهتمام؛ لأن الاختلاف حول هذين ينشئ الفرقة ويخفض درجة الحميمية إلى ما دون الصفر حتى الوصول للصلابة التي يثريها الزمن فتتحول إلى بغض.

السعوديون ينتظرون ملكهم وينتظرون منه الكثير؛ لأنه حينما يتعزز الأمل في شخص، تتعلق به الأفئدة وترسم عليه الأماني. يحمل الشباب السعودي هذه المشاعر للملك عبد الله لأنه أشعرهم باهتمامه وخاطبهم بلغة الأب فكانوا يتتبعون أخباره الصحية بقلق صادق، يرجون عافيته، ويترقبون عودته بعين الاهتمام، في وقت تطرد الشعوب حكامها خلف الحدود.

* أكاديمية سعودية

- جامعة الملك سعود

[email protected]