الطفلة «فيس بوك»

TT

أطلق المصري جمال إبراهيم على رضيعته التي ولدت بعد ثورة 25 يناير اسم «فيس بوك» تكريما للثورة المصرية وشبابها الذين بات موقع «فيس بوك» الإلكتروني رمزهم ورمز الانتفاضات التي أعقبت الثورتين التونسية والمصرية. ومع ما يجري في ليبيا والبحرين واليمن وأكثر من دولة يبدو أننا سنشهد تسميات لأطفال عرب آخرين. فقد يولد «تويتر» و«يوتيوب» وربما تكون لهما شقيقة اسمها «غوغل» من يدري..

ليت الأمور بقيت عند حدود هذه التسميات المجازية اللطيفة التي تمدنا بابتسامة وأمل نحن بأمس الحاجة إليهما. لكن صور المظاهرات المندلعة في أكثر من عاصمة عربية والرصاص الحي الذي يقابل به المتظاهرون وتحديدا وبصورة دموية غير مسبوقة في ليبيا جعلت من الثورات العربية الراهنة حدثا فيه الكثير من الرعب والخوف ولكن حتما ليس التراجع ولا مجال فيه للانكفاء..

حاول نظام معمر القذافي ضبط وطمس الأخبار المتعلقة بالاحتجاجات والمظاهرات وفرض تعتيما إعلاميا غير مسبوق بغية إخفاء ما يتم ارتكابه بحق الليبيين ولم يتردد عن استهداف مواطنيه بالنار والقذائف والطائرات. كل ذلك لم يخفف وتيرة الهياج الإلكتروني وهو هياج عماده الهواتف الجوالة التي تصور المشاهد المكثفة والخطيرة وتبثها عبر المواقع الإلكترونية فبات الليبيون مصدر الصور والمعلومات الرئيسية.

من ليبيا التي يسيجها اليوم معمر القذافي بالحديد والنار سيول أخبار عبر موقع «تويتر» مثلا تجاوز معدلها الآلاف في الدقيقة الواحدة، الأمر نفسه ينطبق على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى وعبر «يوتيوب». حتى مع وقف الإنترنت وتعطيل الاتصالات بقيت منافذ تقنية تسمح بالتحايل على المنع رغم تهديدات القذافي لـ«إذاعات الكلاب» على حد نعته للإعلام..

لقد اندلعت نيران لا يمكن لنظام القذافي أو لأنظمة مماثلة إطفاؤها.

لن يعود بالإمكان فرض الصمت والتعتيم ونحن نرى أمورا على نحو لم نكن نحلم به من قبل. فحين كنا نفكر في ليبيا غالبا ما كنا نتخيل بلدا خارجا عن الزمن ومنظومة العصر الحديث وبمنأى عن الثورة التقنية، لكن اليوم وأمام أعيننا ينقلب العالم الذي نعرفه رأسا على عقب. وعبر «فيس بوك» و«يوتيوب» و«تويتر» نشهد هذا الانقلاب على نحو حقيقي وشجاع.

ما كان يستلزم شهورا وربما سنوات لم يعد اليوم بحاجة لأكثر من لقطة على الهاتف ونقرة عبر الكومبيوتر ليصبح في متناول الجميع..

هذا الخليط المكون من إعلام اجتماعي وفضائيات وهواتف وكاميرات وشباب محبط ومضطرب وسنوات من الغضب والقمع أثبت أنه مادة متفجرة في هذا الشرق الأوسط لا يبدو أنه قابل للاحتواء بعد اليوم ويبدو أن الحكاية لا تزال في بدايتها.

إذن إنه مسار جديد فيه أحلام ومسؤوليات ويمكن أن يثمر عدالة اجتماعية وسياسية منشودة لكنه أيضا يحمل مكنونات الانفجار. إنه مسار ناشئ وغض يحتاج إلى الانتباه والاهتمام تماما كما هي الطفلة «فيس بوك» صغيرة وغضة تحتاج إلى رعاية.

diana@ asharqalawsat.com