موجة الإصلاح كان يجب أن تضرب التنظيمات قبل الأنظمة!

TT

كثيرون هم الذين حاولوا ركوب هذا الـ«تسونامي» الهائل الذي يجتاح الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه الخصوص، فالتيارات الإسلامية على لسان الشيخ يوسف القرضاوي وعلى ألسنة كثيرين غيره، بادرت وبمجرد أن بدأت أحداث تونس إلى تبني هذه الأحداث والإيحاء بأن الإخوان المسلمين هم الذين يحركونها ويقفون وراءها وذلك رغم أن الشيخ راشد الغنوشي الذي عاد من ديار الهجرة واللجوء في بريطانيا إلى وطنه لاحقا قد أكد أن حركته «حركة النهضة» قد انضمت إلى هذه «الثورة» متأخرة وأنها لم تكن المفجرة لها وبهذا فقد كرس مجددا المصداقية المشهور بها والمعروفة عنه.

وبالنسبة لما جرى في مصر، ومع أنه ثبت وبشكل قاطع أن مفجريه هم شباب الـ«فيس بوك» الذين ليس لديهم أي برنامج واضح، لا للإصلاح ولا للحكم، والذين ما لبث أن تفجرت خلافاتهم واختلافاتهم، فإن هناك من حاولوا مد أيديهم والادعاء بأنه منهم وإليهم ولهذا فإن ما بات معروفا ومؤكدا أنه لولا تدخل القوات المسلحة وبسرعة للسيطرة على الوضع والتحكم بالموقف لكانت هذه الاختلافات تحولت إلى حرب أهلية مدمرة.

والملاحظ، بينما تمكن الجيش في تونس أيضا من السيطرة على الأمور ومنعها من الانزلاق إلى فوضى مدمرة، أن الإخوان المسلمين في مصر قد تعاملوا مع «ثورة الشبان» بحذر شديد في البدايات وحافظوا على مسافة ملموسة بين قياداتهم وبينها، لكنهم ما لبثوا أن اندفعوا في الأيام الأخيرة بقوة نحوها والسعي لإعطائها صبغتهم ولعل ما شجعهم على هذا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد ميزهم على غيرهم وأن تعيين أحد كبار رموزهم في لجنة إعادة صياغة الدستور قد جاء بمثابة اعتراف بهم وبدورهم في كل هذا الذي جرى.

وهنا فإنه ليس معروفا حتى الآن ما إذا كان الإخوان المسلمون هم الذين استقدموا الشيخ القرضاوي من قطر، التي يحمل جنسيتها والتي أقام فيها طويلا بعد عمل دعوي في الجزائر لبضعة أعوام كان بدأه في عهد الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد، للاستفادة من شعبيته في فترة عنوانها التسابق على كعكة «ثورة الشبان» أم أنه هو الذي سارع إلى هذه الخطوة بتشجيع من القيادة القطرية التي بقيت تسعى دائما وأبدا منذ مجيء الشيخ حمد بن خليفة خلفا لوالده في تسعينات القرن الماضي بأن يكون لها «في كل عرس قرص» كتدخلها في الأزمة اللبنانية وفي الخلاف بين علي عبد الله صالح والحوثيين وفي مشكلة دارفور في السودان.

والملاحظ أن الشيخ القرضاوي الذي لا يمكن إنكار أنه يتمتع بشعبية معتبرة في مصر وفي المجالين العربي والإسلامي، قد تصرف في آخر احتفال «جمعة» بالثورة المصرية المنتصرة كتصرف الإمام الخميني عندما عاد من فرنسا في فبراير (شباط) عام 1979 ليقود ثورته التي كانت قد قطعت ثلاثة أرباع طريق الانتصار. فهو، أي القرضاوي، قد رفع يده ملوحا للجماهير المصرية على أساس أنهم جماهيره وأن الثورة ثورته وأنه عائد من المنفى في الخارج على جناح السرعة ليقود هذه الثورة.

إن هذه هي الملاحظة الأولى، أما الملاحظة الثانية فهي أن تنحية حرس الشيخ القرضاوي للشاب وائل غنيم الذي يعترف له زملاؤه بأنه مفجر «الثورة المصرية»، ومنعه من اعتلاء منصة الخطابة لإلقاء كلمة في بحر الجماهير المتجمعة في ميدان التحرير في ذلك اليوم المشهود، يدل على أن هناك توجها للانفراد بهذه الثورة ومنع حتى الشبان الذين فجروها من المشاركة بنصيب من قطف ثمارها التي لا تزال حتى الآن «عجرة» ولم تنضج بعد.

ثم إن الملاحظ أيضا أن «الإخوان المسلمين» قد واجهوا الشيخ القرضاوي، الذي جاء مسرعا من الدوحة بمجرد التيقن من انتصار الثورة ليقحمها في الصراعات السياسية الإقليمية المحتدمة، مبتدئا بدعوة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بفتح معبر «رفح» على حدود مصر مع غزة، بإعلان ثوابتهم في هذه المرحلة الجديدة والتأكيد على أنهم يعتبرون أن الاتفاقات الدولية لبلادهم، ومن بينها اتفاقية كامب ديفيد، هي مسؤولية الشعب المصري كله وأنهم يرفضون صيغة الثورة الإيرانية ولا يقبلون بها كأنموذج للحكم وأن الدولة التي يريدونها ويسعون إليها هي دولة مدنية وليست دينية.

وفي إشارة واضحة إلى أنهم باتوا يفكرون بطريقة غير الطريقة التي كانوا يفكرون بها سابقا والتي ربما أن القرضاوي لا يزال يفكر بها، فإن «الإخوان المسلمين» قد بادروا إلى الإعلان عن إنشاء حزب يحمل اسما يشبه حزب رجب طيب أردوغان وعبد الله غل في تركيا «حزب العدالة والحرية» وهذا يدل صحة المعلومات التي تشير إلى أن مسؤولين في إدارة باراك أوباما الأميركية قد أبلغوا عربا في مواقع المسؤولية بأن هذه الأحداث التي تجتاح المنطقة ستغير أيضا الحركات «الإخوانية» في هذه المنطقة وستجعلها تتحول من مجرد رفع الشعارات الخيالية إلى تبني برامج سياسية واقعية تدخل من خلالها أبواب المشاركة في الحكم الذي بقيت تعتبر أن مجرد الاقتراب منه رجس ومن عمل الشيطان.

فهل هذا ممكن.. وهل إن هذه العواصف التي تضرب المنطقة بعنف لن تتوقف عند مجرد تغيير بعض أنظمة الحكم، بل إنها ستتعدى هذا إلى تغيير الأحزاب والتنظيمات ومن بينها تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين الموجودة فعليا بعد مصر في الأردن وفي فلسطين وفي سورية وربما أيضا في الكويت؟!

يقال إن الولايات المتحدة قد أجرت اتصالات مع «إخوان» مصر ومع «إخوان» الأردن وربما أيضا مع تنظيمات إخوانية أخرى في بعض الدول العربية، من بينها سورية والمغرب تحت ضغط تنامي الظاهرة الإرهابية وإنها حاولت التأكد مما إذا كان لدى هذه التنظيمات استعداد للتحول من حالة الجمود العقائدي الذي تعيشه إلى حالة «الليبرالية» والواقعية وإلى تبني برامج مرنة تجعلها مؤهلة للمشاركة في الحكم في أقطارها، لكن وأمام فشل هذا الاختبار فإن الأميركيين قد توجهوا إلى الحركة الإسلامية الناهضة في تركيا فكانت هذه الظاهرة الأردوغانية التي يبدو أن الإخوان المسلمين قد اقتنعوا بالانضواء في تجربتها وخاصة أنه ثبت أنها محمية من انقضاض العسكر عليها بموقف دولي تشترك فيه أوروبا والولايات المتحدة.

وبالنتيجة فإنه بالإمكان ملاحظة أن التغييرات المتوقعة المترتبة على هذه الأمواج العاتية، التي تضرب الشرق الأوسط والمنطقة العربية كلها، لن تتوقف عند الأنظمة فقط، بل إنها ستشمل التنظيمات أيضا وخاصة تنظيمات الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين في مقدمتها، وهذا يمكن التأكد منه في ضوء ما ستستقر عليه تحولات «إخوان» مصر الذين تعتبر حركتهم هي الحركة الأم والتي من المفترض أن يتبعها تلقائيا «إخوان» الأردن و«إخوان» فلسطين وربما.. ربما أيضا «إخوان» سورية الذين ما زالوا يعيشون حالة شتات وتشرذم بعد تلك الضربة قاصمة الظهر التي كان وجهها إليهم نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد وكانت ذروتها أحداث حماة في بدايات ثمانينات القرن الماضي.