الله يستر

TT

كالأمواج المتلاطمة.. هكذا هو حال المشهد العربي، فالحاكم الليبي وابنه واصلا مسرحيتهما الهزلية متفوقين على مشاهد فيلم «إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين»، ومتفوقين على هولاكو في جنونه وموسوليني في غطرسته ونيرون في حماقته.. إنه مشهد شمشوني ثوراتي بامتياز، فهو سيهدم المعبد عليه وعلى أعدائه، وأعداؤه هم شعبه!

مقارنة لا يمكن إلا أن تعقد بين المشهد التونسي والمصري من جهة والفوضى الليبية العارمة من جهة أخرى، المدنية والتحضر وسمات المجتمع المدني الموجود في تونس ومصر سمحت بالانتقال للسلطة في شكل من أشكال السياسة المؤسساتية بوجود جيش مستقل ومحترم وبرلمان ودستور ومعايير، وهي التي تذكي وتؤصل روح المواطنة بدلا من أن تترك لرحمة فوضى العشائر وعصبة القبائل، الذين يضعون انتماءهم لها فوق الوطن والمذهب والدين أحيانا، ففي ظل عدم وجود القانون يلجأ الإنسان الضعيف إلى الجذر الأصلي الذي ينتمي إليه وهو عادة يكون الانتماء القبلي، وطبعا هذا ما يراهن عليه القذافي اليوم لإحداث حرب أهلية شاملة، وهو الذي يفسر وجود بعض التأييد له للآن لدى بعض القبائل على الرغم من جرائمه ودمويته وتسلطه وفساده غير القابل للجدال. ولكن القذافي ونظامه يحتضر سياسيا ووصل لمرحلة الغرغرة والناس بانتظار إعلان الوفاة فقط.

وفي مصر، هناك تصريحات عجيبة ومثيرة على الثورة، الجيش يحاول إرساء مبادئ لإدارة البلاد والوقوف في منطقة سوية بين المحاسبة على ما تم عمله من اعتداء على المال العام وإثارة الفوضى والإخلال بالأمن وبين إدارة دفة البلاد وإعادة الأمن وزرع الثقة في المواطن بينه وبين الدولة. وهناك «دخول» منظم للإخوان المسلمين على المشهد السياسي من تنظيم خطبة الجمعة بقيادة الأب الروحي لهم يوسف القرضاوي وإلقائه لخطبة «مسيسة» بامتياز، في مشهد يسترجع لحظة «خمينية» من الذاكرة واختياره لآيات في الصلاة لإثارة الناس، و«نقل» هذه الخطبة على التلفزيون المصري الرسمي بشكل مثير للدهشة والاستغراب، وكذلك تأسيس حزب الوسط المحسوب على «الإخوان» ثاني يوم الخطبة بشكل أيضا يثير التعجب، ولا يمكن عدم التعليق على مشهد منع حرس يوسف القرضاوي لوائل غنيم، أهم رموز الثورة الشبابية، من إلقاء كلمة وسط حشود الناس، بشكل استفزازي ومقصود.

إضافة إلى حملة مريبة ومنظمة تقودها مجموعة غير بسيطة من الناس على مواقع الإنترنت لتشويه صورة شباب ثورة مصر وتحديدا وائل غنيم، ومحاولة إظهاره بأنه «ماسوني» نظرا لأنه يرتدي قميصا عليه رسم الأسد! علما بأن هذا القميص من ماركة معروفة ومنتشرة في أنحاء العالم، أو وصفه بأنه من عبدة الشيطان وأن ماضيه غامض ومريب وأنه تلقى تدريبه في معسكرات الإمبريالية والصهيونية! علما بأن وائل غنيم ولد في أبها بالسعودية، حيث يعمل أبوه للآن طبيبا محترما، وبعدها أكمل تعليمه وذهب لدبي للعمل، ولكن هذه الحملة وغيرها تقع في خانة خطف ثورة الشباب وإجهاضها من أصحاب مصالح أخرى، وستظهر الأيام صحة هذه الشكوك.

البحرين تعود للقلق مجددا والمتظاهرون عادوا للساحات حاملين رايات عنصرية ضد العرب ومع إيران ورافعين صور شخصيات مثل الخميني وخامنئي، وهما شخصيتان لم يعرف العرب منهما إلا دما وحروبا وتدخلا سافرا في حياتهم بحجة تصدير ثورة موتورة إليهم.

البحرين جنحت للإصلاح بوعي من قادتها، ولكن هناك من يريدها طائفية وليست وطنية ويرفع سقف التحدي، ويثير بذلك الهموم والقلق والخوف والذعر في مجتمع آمن وبلد وديع.

المشهد العربي لا يزال ساخنا، وبؤر الحرارة فيه قابلة للغليان، والأيام القادمة معبأة، ولا نزال في ثاني أشهر 2011 .. الله يستر.

[email protected]