مشهد لم يكتمل!

TT

حتى كتابة هذه السطور، ما زال العقيد يترنح (شخصية ونظاما!)، ويواصل هذيانه وبطشه ومحاولة إيجاد أي تبرير وأي تفسير لما حدث، فتارة يصف ما حدث بـ«إنهم جرذان ويتعاطون حبوب هلوسة»، وتارة أخرى يصفهم بـأنهم «تابعون لأسامة بن لادن وينتمون لأسامة بن لادن»، وذلك في وصف لشعب ليبيا الذي انتفض وثار مطالبا بحقه في العيش الكريم والحصول على الحقوق والعدل ووقف الاستبداد والفساد.

معمر القذافي يطبق بشكل معكوس كل شعارات كتابه الأخضر، ويحطم بيده وببطشه سلطة ورغبة الشعب الثائر حقيقة وليس عن طريق انقلاب عسكري مريب، عندما كان يحكم ليبيا ملك شيخ صالح ولكنه ضعيف قامت عليه مجموعة غوغائية تنادي بإسقاط الملك إدريس السنوسي، وكانت الصيحات تنادي وقتها «إبليس ولا إدريس»، ويبدو أن طاقة وأبواب السماء كانت مفتوحة واستجيب للنداء، وهاهو القذافي يطبق بيت شعر ساخر معكوسا: إذا أراد الشعب يوما الموت فلا بد أن يستجيب معمر.

معمر القذافي نفسه جريمة شارك في صنعها أطراف كثيرة بدأت بتبني جمال عبد الناصر له وإعطائه الشرعية، ثم كانت «العلاقة» المليئة بالنفاق والمصالح بينه وبين الغرب، فهم استعدوا لغض الطرف عنه طالما استمر هو بإمداداته لهم بالنفط، والوحيدان اللذان حاولا الخلاص منه وتأديبه بالقوة كانا أنور السادات ورونالد ريغان، كل منهما لأسبابه الخاصة به.

واستمرت العلاقة بينه وبين الغرب بين مد وجزر حتى كان عام 2003، بعد فترة قصيرة من سقوط نظام صدام حسين، قام بعدها معمر القذافي بالانحناء الكامل للغرب وتسليم برنامج أسلحة الدمار الشامل الذي كان يدعي أنه يطوره، وقام بإجراء سلسلة من الاتفاقيات مع الدول الغربية توجت بزيارة وزيرة الخارجية الأميركية وقتها كوندوليزا رايس، وبعدها مقابلة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وبعدها خلفه غوردون براون، ولم يمض وقت كبير إلا وتوطدت علاقة القذافي بتوني بلير بعد خروجه من المنصب مما ساهم في إطلاق سراح المتهم الليبي المقراحي من سجون اسكوتلندا، وكذلك تحسنت العلاقة بشكل مهول مع إيطاليا حتى تحولت إلى أهم شريك اقتصادي واستثماري بالنسبة لليبيا، وخلال هذه الفترة وظفت الحكومة الليبية «مجموعة ليفنغستون» وهي أهم مجموعات الضغط المؤثرة في الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك مكتب «وايت آند كيس» للمحاماة وهو أحد أهم مكاتب المحاماة المعروفة، وكذلك مجموعة مختلفة من مؤسسات العلاقات العامة، كل ذلك لأجل تحسين الصورة الليبية أمام الرأي العام الغربي تحديدا، مما جعل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تقابل نجل القذافي، المعتصم، وتعقد معه مؤتمرا صحافيا تفتخر فيه بتحسن العلاقات بين أميركا وليبيا. وفي خلال كل هذا الوقت، كانت شركات النفط مثل «أكسون موبيل» و«شفرون» و«هاليبرتون» و«توتال» و«بي بي»، تستفيد بشكل غير عادي من العقود المغرية. النظام الليبي وزمرته يلفظون أنفاسهم، وهناك من ساهم في «تطويل» مدة بقائهم وتعذيب الليبيين خلال كل هذا الوقت الأليم.

وخلال هذه الفترة، لا يزال القلق يساور أهل تونس ومصر من أن تخطف ثورتاهما، وذلك من خلال تشكيك الناس في الحكومات الحالية وعلاقتها بالعهد القديم بسبب وجود رموز وشخصيات من الحزب الحاكم المكروه الذي هو أحد أسباب غضب الناس وبالتالي انفجار الشعب. تحدي الثورة وإنجازها مهم، ولكن إدارة ما بعد الثورة لا يقل أهمية حتى تكتمل الدائرة ويتحقق النجاح الكامل ولا يتمكن أحد من خطف الإنجاز أو قتل الأمل.

[email protected]