لماذا تتندرون على القذافي؟

TT

هناك سيل من التعليقات الساخرة على خطابات العقيد الليبي معمر القذافي الأخيرة، ويبدو أن روح الدعابة، التي سرت بعد الطفرة الفكاهية التي أبدع فيها شباب ميدان التحرير بمصر، ما زالت تسيطر على العقول، لكن اللافت أن التعليقات الساخرة على خطابات القذافي لم تقتصر على الإنترنت فقط، بل وصلت إلى بعض المعلقين! وقد يقول البعض: وما المقصود؟

المقصود بكل بساطة هو أنه صحيح أن هناك كوميديا، قل سوداء، في خطابات القذافي، لكن بعض ما يطلقه من مواقف ليس بأمر محصور عليه هو نفسه، بل قد يسري على نماذج كانت موجودة بعالمنا العربي، وبعضها لا يزال إلى الآن! فعندما يقول القذافي لليبيين إن من حقهم أن يتظاهروا سلميا ما دامت المظاهرات متعلقة بغزة أو العراق، لكن ليس بالشأن الداخلي الليبي، فهو ليس وحده الذي يقوم بذلك، بل هي حالة طاغية لدى بعض الدول العربية، فيكفي أن ننظر إلى العراق الديمقراطي وكم قتل يوم الجمعة من مواطنيه لأنهم خرجوا بمظاهرات! وهاهي سورية تسمح بالمظاهرات تارة ضد المصريين، وتارة لنصرتهم، وقبل أيام سمحت بمظاهرات أمام السفارة الليبية، لكنها، في الوقت نفسه، لا تسمح بمظاهرات لأسباب داخلية، والقضية ليست تصيدا، فإما أن تمنع المظاهرات للداخل والخارج، أو لا تحاول استغلالها أبدا.

وهذا ليس كل شيء بالطبع؛ فعندما يقول القذافي: «إذا كان الشعب الليبي، أو العربي، أو الأفريقي، لا يحبني، فأنا لا أستحق الحياة».. فهو لم يكن يلقي بطرفة، بل هو مقتنع بأن دوره هو حماية الأمة، ونسي أن القوة الحقيقية تأتي من وحدة مواطنيك خلفك، وليس القذافي وحده الذي يفكر بهذا المنطق، فهاهو حسن نصر الله يطل علينا بين الحين والآخر، من مكان ما في الضاحية، ليلقي خطابا للأمة، فتارة يحرض الجيش المصري على حكومته، وتارة أخرى متحدثا للمصريين عن ثورتهم، ناهيك عن خطاب للتوانسة.. ولماذا نذهب بعيدا؟ أَوَليس حسن نصر الله هو من قال في عام 2006، على قناة «الجزيرة»، مخاطبا الحكام العرب: «عندي يقين أنه حتى بعض أبناء وبنات وزوجات بعض الحكام العرب هم معنا»؟ فما الفرق إذن بين القذافي وحسن نصر الله؟

وعندما يقول القذافي إنه سيشعل ليبيا كلها، ويجعلها جمرة حمراء، فلا جديد أيضا، ولا شيء مختلفا عن بعض ما يحدث حولنا؛ فالقذافي ينظر لليبيا، كما قلنا سابقا، وفق منظور «أنا الدولة.. والدولة أنا».. وهذا ما فعله تماما صدام حسين، الذي انتهى بحفرة، وقاد العراق إلى دمار لا يعلمه إلا الله.

قد يكون بعض ما يصدر من العقيد القذافي مضحكا، لكنه ضحك كالبكاء، ويستحق منا التأمل طويلا؛ فما يقوله القذافي في لحظات محاولته للبقاء يفعله آخرون، ولكن بكل هدوء، ويرددونه صباح مساء، لكن بلغة أكثر ذكاء أحيانا، ومن خلال دغدغة مشاعر الشارع العربي أحيانا أخرى.

فقط تأملوا، وقارنوا، لتعلموا لماذا نحن ندور بحلقة مفرغة، ولا نستفيد من التاريخ، وأخطاء الآخرين.

[email protected]