إلا الأردن

TT

عندما ترشح العنصري المعروف ديفيد ديوك، زعيم الحركة البيضاء في أميركا، المعروفة بالــ«كوكلاكس كلان»، كحاكم لولاية لويزيانا الأميركية، ضد إدون إدواردز، وهو رجل معروف بالفساد المالي والأخلاقي بمعناه الاجتماعي، فانتشرت على زجاج السيارات في الولاية عبارات تقول: «فوت فور ذا كروك، إتز إمبورتنت» (صوتوا للفاسد، فإن ذلك مهم لنا جميعا). وبالفعل صوت أهالي لويزيانا للفاسد ضد العنصري ديفيد ديوك، فأحيانا تكون الاختيارات محدودة أمام البشر، إما العنصري وإما الفاسد، فيختار الناس أقلهما خطرا على المجتمع، أو أهون الشرين، وكانت العنصرية هي الخطر الأكبر على أهالي ولاية لويزيانا؛ لذا قرروا أن ينتخبوا الفاسد. قد لا يحب الأردنيون هذه المقارنة، لكنني أكتب بكامل وعيي وبكل ما يملأ قلبي من زخم الثورة التي امتصها عقلي وقلبي من خلال وجودي سبعة عشر يوما في ميدان التحرير، أقول: نعم للثورة، ولكن إلا الأردن، ولي في ذلك سبب واحد، أرجو أن يفهمه مجانين العرب قبل عقلائهم.

بداية أستطيع القول: إن إسرائيل دولة من دول المنطقة التي ستصلها عدوى الثورة؛ لأنها لا تختلف كثيرا عن دولنا العربية التي قامت فيها الثورات؛ ففيها فساد كبير وكان فيها مشروع توريث لعمري، ابن شارون، الذي حققت معه المحاكم الإسرائيلية بدعوى فساد عندما كان أبوه رئيسا للوزراء، لكن إسرائيل تحاول تجنب الثورة على جبهتين، أولا: إشعال الأمور في الأردن حتى تصل إلى حلمها الأساسي المعروف بالوطن البديل، أي أن أي انقلاب في الأردن يحول الأردن إلى فلسطين؛ نظرا للعدد الكبير من الفلسطينيين الذين يقيمون في الأردن. فلسطين هي الأردن، هذا كان شعار جماعة نتنياهو منذ زمن، وكذلك كل حكومات إسرائيل المتعاقبة، يجهرون بهذا فقط تحت الضغط، لكنها مقولة إسرائيلية أقرب إلى العقيدة، منها إلى رؤية إسرائيلية للحل؛ لذا أحذر، فأي انقلاب أو حتى انفلات في الأردن سيحقق لإسرائيل بالمظاهرات ما لم تحققه طوال ستين عاما من الحروب، بخلق بلد وطن بديل للفلسطينيين يريح إسرائيل ويحل بالنسبة لهم، ومن منظورهم، المشكلة الفلسطينية حلا جذريا ويريحهم من الصداع السياسي الأزلي.

في الأردن أناس كثيرون مثل إدون إدواردز في لويزيانا، أي: فاسدون ماليا وربما أخلاقيا، لكن التمعن في عنصرية إسرائيل ومخططاتها أهم بكثير من محاسبة فاسدي الأردن الآن؛ لذا يجب علينا جميعا أن نحافظ على الأردن من الاشتعال، أو من انهيار النظام.

مهم أن يتوقف الأردنيون قليلا حتى تصل عدوى الثورة إلى عرب 1948 وإلى فلسطينيي الضفة وغزة، حتى نرى لافتات في إسرائيل تطالب بتغيير النظام كما شاهدنا في مصر ونشاهد في ليبيا واليمن. نريد من عرب 48 وكذلك من الفلسطينيين لافتة «الشعب يريد تغيير النظام»، لكي نرى هل سيقف العالم الغربي مع مقولة تغيير نظام الفصل العنصري في الأراضي المحتلة، حتى نرى يهود الفلاشا واليهود السود والشرقيين يتظاهرون ضد عنصرية النظام القائم في إسرائيل، هذا كله يحدث لو حافظنا، ولو قليلا، على الأردن.

أرجو ألا يظن أحد أن لي معرفة بأحد في الأردن كي أدافع عنه، فبكل أسف حتى هذه اللحظة وعمري يقترب من الخمسين لم تطأ قدماي الأردن، ولا أعرف أحدا من النخبة الأردنية إلا ما ندر. القضية بالنسبة لي هي ألا ننسى في حماس الثورة أن هناك دولا لا بد أن نحافظ عليها، حتى لا تحصل إسرائيل على ما تريد دونما ثمن تدفعه، لنعطي إسرائيل أيضا الفرصة كي تلسعها الثورة الشرق أوسطية؛ فهي تريد أن تكون ضمن دول الشرق الأوسط وجزءا أصيلا من المنطقة، لنتركها أيضا تجرب غضب المنطقة ضد الفساد والظلم؛ فإسرائيل هي قمة الظلم في المنطقة، وآن الأوان أن تصلها عدوى الثورة، ثورة ضد الظلم والعنصرية وفساد الأخلاق.

إسرائيل تنتظر نتائج ثوراتنا، وتحاول أن تعدل من وضعها لكي تتعامل مع نتائج الثورات العربية، لكن ما لا تدركه إسرائيل أن هذه الثورة هي ثورة شرق أوسطية، ستصلها يوما ما، وأعتقد أن يومها قريب، وقريب جدا. فالنظام في الشرق الأوسط يتغير ولا بد أن تتغير معه إسرائيل. ترى لو حدثت الثورة في إسرائيل مثل مصر وليبيا وتونس واليمن، هل نسمع من واشنطن ومن أوروبا أنها ثورة المظلومين ضد القهر والإذلال، أم أن لغة الإرهاب والإرهابيين ستعود إلى قاموس السياسة الغربية التي ودعتها واشنطن ولو لفترة؟ كم أتمنى أن أرى نتائج هذا الاختبار.