أبناء معمر أو الرجل الذي أكل الحصرم!

TT

- يا الله صباح خير.

تستيقظ من فراش نومك، تحاول أن تقيس درجة مزاجك، فما تذكره أنك البارحة لم تكن على ما يرام، ثمة قراصنة تسللوا إلى دواخلك، يسرقون بعض تفاؤلك، وما علق به من أفراح صغيرة، لعلك تمكنت من تحرير ذاتك من قبضة القراصنة قبل أن تنام، فلست على يقين متى طرق بابك «الرجل الحكيم»، أي النوم، وأخذك معه إلى عوالم اللاشعور، كل ما تذكره أن الرئيس معمر القذافي كان يواصل سكب عبارات جنون عظمته من الشاشة الصغيرة، ويبدو على يقين زائف أن ليبيا في عهده كانت تقود أكبر قارات العالم: أفريقيا، وآسيا، وأميركا الجنوبية، وأنه ملك ملوك قارته، ولعلك بالتأكيد لم تكن منشغلا بمصير الذي أكل الحصرم، ولكنك كنت حزينا على الأبناء الذين «يضرسون»، فمن المؤكد أن أبناء الزعيم أمثال: سيف الإسلام، ومحمد، والساعدي، وهانيبال، ومعتصم، وعائشة، وغيرهم يدركون كغيرهم أي ورطة يواجهون، وأي مصير مجهول ينتظرون، فواجب البنوة يفرض عليهم أن يتشبثوا بالبقاء في السفينة، وهم يرون الآخرين من حاشية «ملك الملوك» يرتدون سترات النجاة لترك الذي أكل الحصرم يواجه مصيره وحيدا.

العقيد معمر القذافي عاش على مدى عقود سلسلة طويلة من المغامرات والمؤامرات رسخت لديه سيكولوجية العيش بأسلوب «يا قاتل يا مقتول»، وهذا إحساس طبيعي يكتسبه الذين يستغرقون في لعبة القاتل والمقتول، وما زلت أتذكر لمسؤول سابق في أحد الأنظمة الاستبدادية هذا القول: «الإزعاج يأتيك فقط من القتيل الأول، فالجثة الأولى مقلقة ومربكة، وبعدها عليك أن تقرر إما الاستمرار في اللعبة أو الخروج منها، والخروج يعني التقاعد والظل، أما الاستمرار فيعني الحضور والمخاطرة بأن تكون أنت مشروع جثة»، ومن المؤكد أن رجلا مثل معمر قد اختار سلفا ـ منذ سنوات بعيدة ـ الاستمرار في هذه اللعبة بكل ما يحمله هذا الخيار من مخاطرة ومقامرة، لكن هل اختار أبناؤه الاستمرار في هذه اللعبة أم فرضت عليهم؟ أغلب الظن أنهم ضحايا تربية أحرقت دمهم ببطولات «دونكيشوتية» لم يستطيعوا الفرار من سماعها، أو الرقص على إيقاعها، ليجدوا أنفسهم في الفصل الأخير من المسرحية يرون الخاتمة على نحو مغاير لما رسم لهم، وها هم يواجهون الحقيقة وحدهم، وقد انفض السامر، ومضى كل في طريق!

- ويا الله صباح خير.

[email protected]