كلمة ونص للحاكم الجديد

TT

يمسك البعض - وأنا منهم - أنفاسهم حيال الصدمة والخيبة التي قد يقع فيها الجمهور المصري بعد كل ما قدموه من تضحيات وتطلعوا إليه من آمال. ربما سيجدون أن البطالة ما زالت كما هي، والفقر هو هو، والفساد ما زال شائعا، وإن تقلص قليلا. فهو ككل الأمراض المزمنة التي لا يسهل علاجها في أيام. هذه خيبة سأشعر أنا أيضا بمرارتها على بعدي منها. فما العمل؟

مشكلات مصر الاقتصادية عميقة ومتأصلة. والانتخابات الديمقراطية ربما لا تسفر عن غير ما أسفرت عنه في العراق. سيتوقف الكثير على الحاكم الجديد. ما العمل لو كنت في مكانه حتى يتم إنعاش الاقتصاد؟ أسعى لنيل ثقة الجمهور ومحبته على نحو ما فعل جمال عبد الناصر وعبد الكريم قاسم. يتم ذلك بمشاطرة المحرومين حرمانهم. في مقالة سابقة كتبت هازلا عن ضرورة التوزيع العادل للفقر في البلدان الفقيرة. قضى عبد الكريم قاسم سنوات حكمه ساكنا في بيت متواضع بسيط، كان بإمكانه أن يسكن في قصر الزهور الملكي ولكنه لم يفعل. وعاش على الكباب والطرشي الذي كانوا يأتونه به من «كبابخانة» الميدان المجاورة لمكتبه في وزارة الدفاع. لم يكن عنده أي سيارة، فكان يستعمل سيارة الجيش. أنا لست ضابطا لأحظى بسيارة. فسأستعمل «البايسكل» كما أفعل الآن، وكما يفعل ملك السويد، في تنقلاتي حيثما استطعت.

كان هذا في الواقع سلوك سائر الحكام التاريخيين ممن نالوا إعجاب ومحبة العالم كله من عمر بن الخطاب (عدلت فأمنت فنمت) إلى الإمام علي (لو كان الفقر رجلا لقتلته) إلى غاندي ومانديلا. بهذا التواضع سأصبح قدوة في الزهد لزملائي في الحكم من جهة، وأنال محبة الشعب في مشاطرتهم شظف العيش وتحمل شدائد هذه المرحلة الصعبة. وبذلك القدر من المحبة والثقة، أبدأ بالمشاريع الصعبة على نحو ما فعل أتاتورك وبورقيبة. مشكلة مصر الرئيسية كثرة السكان. لا بد من الاحتذاء بالصين في تحديد النسل والاحتذاء ببورقيبة في تحديد التعدد وتقييد الطلاق. بمعاهدة السلام مع إسرائيل وما اتضح من صعوبة قمع الشعب بالرصاص، زالت الحاجة للجيش (نحو مليون ونصف جندي). ببيع دباباته وطائراته يسدد جزء من العجز المالي. وبخفض الميزانية العسكرية، ينقل الوفر للتعليم والثقافة والصحة. ولكن لا فائدة من التعليم إذا بقيت الدروس عقيمة وتقليدية. لا بد من تطوير المناهج بحيث تزود الجيل الجديد بالمعرفة العلمية والتكنولوجيا واللغة الأجنبية والعقل المفكر والحر، ليستطيع الشاب العمل في الصناعات والحرف والأعمال التجارية والحسابية، داخل الوطن وخارجه، ويواكب التطور العلماني العالمي. لا بد من تبسيط النحو والحرف العربي فلا يضيع التلميذ عمره في تعلمه ثم ينساه.

هذه إجراءات صعبة ستلاقي اعتراضات من شتى القطاعات، كما لاقى أتاتورك وبورقيبة. سيصعب تبنيها وتطبيقها ما لم ينل الحاكم أولا ثقة الشعب به والتفافهم حوله واعتمادهم على مصداقيته. وكما قلت: الفساد مرض مزمن. دواؤه وسائل إعلام قوية وحرة تفضح وتكشف، في ظل قضاء مستقل يحمي الصحافي والمفكر، ويحاسب المقصرين.