طاح القذافي فتحول الجميع إلى محللين نفسيين!

TT

أشعر باستغراب لكثرة ما يطرح هذه الأيام عن غرابة شخصية الرئيس معمر القذافي، وكأن هذه الشخصية تكتشف لتوها، رغم أن سلوك الرجل على مدى تاريخه الطويل مسكون بالكثير من هذه «الغرائبية»، حتى أنني لأشعر أن الشعب الليبي من أكثر شعوب الأرض احتمالا، فلقد تحمل على مدى أربعة عقود تصرفات الرئيس معمر القذافي، وتبديده ثروات بلاده لإشباع نزواته الشخصية في شراء الألقاب، كأن يقنع نفسه بأنه ملك ملوك أفريقيا، وأنه المفكر صاحب النظريات العالمية، وإمام المسلمين الذي لا يحلو له إلا دعوة حسناوات أوروبا، وتشجيعهن باليورو لقبول كتابه الأخضر، فالقذافي كان كتابا مفتوحا على مدى أربعة عقود بكل أعراضه، وغرابته، وعدم اتزانه، وبكل مغامراته ومؤامراته ومقامراته، وكان الكل يغض الطرف خوفا، أو طمعا، وقد أسهم هذا الصمت في تعزيز قناعة الرجل بعظمته، وأن زعامته تعم قارات أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية.

واليوم «طاحت البقرة ـ أو أوشكت ـ فكثرت سكاكينها»، الآن الكل يتحدث عن غرابته وعدم اتزانه، وكأن هذه الشخصية تكتشف لتوها كما أسلفت، وأشعر أن ذلك الصمت الطويل من الكل يعد المسؤول عن تعميق قناعات الرجل بعظمته، وبكل ما يفعل، حتى أن خطابات الرجل الأخيرة تعكس استمرار مثل هذه القناعات، وتعكس مقدار صدمته من جراء التمرد على زعامة لها كل هذا النبوغ، وهو ما يجعله يعيش أقصى حالاته خطورة، ولا يعلم إلا الله إلى أي مدى يمكن أن تبلغ ردود فعله إذا ما خسر كل الأوراق، واستشعر النهاية الأكيدة.

إن ما هدفت إليه في هذا المقال هو التعبير عن دهشتي مما فتح الله به على الجميع فجأة فتحولوا إلى محللين نفسيين دفعة واحدة، يكتشفون في الرجل ما أغمضوا عيونهم عنه عمدا لعقود، فوليمة البترول الليبي التي استخدمها القذافي لإطعام الكثير من البطون ضمنت له طويلا كسر الكثير من العيون، ولجم الكثير من الألسنة، واليوم وهذه الموائد توشك أن تطوى، ها هم طبول الزفة الماضية يتسابقون لاكتشاف مثالب الرجل، وكأنه قدم لتوه من كوكب مجهول، ألا قاتل الله النفاق والمنافقين، وللشعب الليبي رب رحيم.

[email protected]