السيستاني: للناس حق التظاهر

TT

أعلن مكتب آية الله العظمى علي السيستاني وجهة نظره في المظاهرات. ويبدو لي أن هذا مؤشر على نقطة تحول عظيمة في هذه الأيام العصيبة. كذلك أعلن مكتب السيستاني التوصيات التالية:

- رأت المرجعية أن معاناة المواطنين من نقص الخدمات وفساد مؤسسات الدولة دليل فشل الحكومة من جانب والقيود من جانب آخر.

- إن التظاهر حق للجميع، لكن شريطة عدم التسبب في موت الناس ودمار الممتلكات العامة والخاصة، كما حدث في حالات سابقة.

تم تقديم هذه التوصيات بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء كإرشادات خاصة بالتعامل مع المظاهرات التي استمرت في عدد من المدن، مطالبة بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل والقضاء على الفساد.

بناء على مادة (1) من الدستور العراقي، الإسلام والديمقراطية والحرية هي مصدر التشريع، بمعنى أن القانون لا ينبغي أن يكون ضد هذه المبادئ الثلاثة، حيث أوضحت أنه لا ينبغي أن يتناقض أي قانون مع الشريعة الإسلامية أو مبادئ الديمقراطية أو الحقوق والحريات الأساسية التي نص عليها الدستور.

وتنص المادة (36) قسم (ج) من الدستور على أن القانون ينظم حرية التجمع والتظاهر السلمي.

وبالنظر إلى تلك المواد، يتضح أن التظاهر السلمي حق مكفول للجميع. ويتمتع الدستور العراقي بقبول يفوق الدستور الإيراني، لأن الإسلام في الأخير هو المرجع الوحيد ومصدر السلطات.

وبالنظر إلى هذه الفتوى، يتضح أنها ترضي كلا من الحكومة العراقية والشعب العراقي. ولا تبدو لي هذه الفتوى مهمة للعراقيين فقط، بل للإيرانيين أيضا. فمن المؤكد أن النظام في إيران غير راض عن حق الناس في الاحتجاج. على الرغم من وضوح النص الدستوري الذي يؤكد على حق التظاهر، فتمنع الحكومة التظاهر من خلال قوات الأمن.

في البداية، أود أن أركز على القانون الدستوري الإيراني، حيث يوجد فصل في الدستور الإيراني بعنوان «حقوق الشعب» ويضم المواد من 19 إلى 42. وينص الفصل الثالث من المادة (27) تحت عنوان «حقوق الشعب» على أنه «يجوز تنظيم التجمعات والمسيرات غير المسلحة، شريطة عدم مخالفة مبادئ وأسس الإسلام». تمت مناقشة ذلك في أول اجتماع لمجلس الخبراء إجابة عن السؤال: «هل تتطلب هذه المظاهرات تصريحا من الحكومة؟». وقال آية الله رباني أملشي، الذي اشترك في المناقشة: «ينبغي أن يخطر المتظاهرون الحكومة بالمظاهرة».

أما آية الله بهشتي، رئيس الهيئة القضائية آنذاك ونائب رئيس مجلس الخبراء، عندما كان آية الله منتظري رئيس المجلس، فقد أوضح فكرته قائلا: «كما تعرفون، الأنظمة في تلك السنوات كانت ضد القيام بأي مظاهرات. لم ننس تلك السنوات. يجب أن أكون واضحا، حيث ينبغي على الحكومة تسهيل حق التظاهر».

وقال كرجي، أحد الخبراء: «مهمة الحكومة توفير الأمن والحماية للمظاهرات». على الجانب الآخر قال آية الله طاهري: «إذا أراد شخص ما مهاجمة المظاهرات أو التعرض لها، على الحكومة أن تدافع عن المتظاهرين وتحميهم» (مجلس الخبراء - جلسة 28).

ويعني هذا أن التظاهر حق من حقوق الشعب، وعلى الحكومة حماية ذلك الحق، لا استخدام القوة والجماعات المسلحة لضرب المتظاهرين والقبض عليهم وقتلهم أو قصفهم بالطائرات، كما فعل القذافي في ليبيا. وهذه مسألة في غاية الأهمية، فهناك قاسم مشترك بين ما يحدث في ليبيا وما يحدث في إيران. لماذا يخاف النظامان مثلما فعل نظام مبارك من إقامة مظاهرات؟ فبينما يشير آية الله خامنئي إلى المتظاهرين وكأنهم جراثيم، يقول القذافي على شعبه إنهم قطط وجرذان، واتهم النظامان شعبيهما بأنهم عملاء للولايات المتحدة وإسرائيل، بل واستخدما خطابا متشابها. فعلى سبيل المثال يستخدم الإعلام الرسمي الإيراني وكذلك علماء الدين الإيرانيون كلمة «فتنة» في الإشارة إلى المتظاهرين والمعارضين. كذلك القذافي كان يتحدث عن الفتنة الكبرى والمؤامرة العظمى ضده. ما مصدر كل هذه الأحكام؟ يبرر القذافي قصف شعبه بالطائرات باستخدام لفظ «الثورة». وينهي خطابه الطويل الذي ألقاه يوم الثلاثاء الموافق 22 من شهر فبراير (شباط) بتكرار تلك الكلمة ثلاث مرات.

أما في إيران، فالحكومة تبرر سلوكها القمعي للمظاهرات باستخدام مفردات دينية. حيث يخاطب القائد بـ«المرشد الأعلى» وهو لقب لم ينص عليه الدستور. إضافة إلى ذلك ما زال خطاب الثورة الإيرانية هو السائد في إيران، وهذا يعني أن عدم السماح لموسوي وكروبي بتنظيم مظاهرات يستند إلى الإسلام ومبادئ الثورة.

يعتقد آية الله العظمى علي السيستاني، الذي لديه أتباع كثر في إيران، أن التظاهر حق من حقوق الشعب. على الجانب الآخر في إيران يعتقد آية الله خامنئي أن قمع المتظاهرين حق من حقوقه. وقد قتل ثلاثة شباب على الأقل في مدينة شيراز بطهران. بمعنى أنه عندما ننظر جيدا إلى وجه القذافي وهو يقول: «أنا الثورة»، ووجه خامنئي وهو يقول: «أنا الإسلام»، سندرك أن هذا هو جوهر الأزمة. يقول السيستاني إن الإسلام لا يقتصر على تأويل أو طريقة تفكير شخص واحد مثل زعيم أو آية الله. ويسلط هذا الضوء على الهوة الشاسعة بين قراءتين أو تأويلين للإسلام.

استنادا إلى الدستور العراقي، الدين الإسلامي والديمقراطية والحرية هي مصدر التشريع والقانون. وبناء على الدستور الإيراني، الدين الإسلامي وحده هو مصدر التشريع. يبدو لي أن فتوى السيستاني تقوم على الدستور العراقي المستند إلى الديمقراطية والحرية والإسلام، باعتباره دين السماحة والكرم واحترام الإنسان، لذا فهو معقول ومقبول.

إذا استمعنا إلى الجيل الجديد، وهذه الموجة من الاحتجاجات التي يشهدها العالم الإسلامي، وإذا آمنا بالقرآن الكريم الذي أوحى الله به إلى رسوله ليبلغه إلى الناس، فسندرك أننا نسمع اليوم صوت الجيل الجديد الذي يتوق إلى الحرية والديمقراطية والإسلام كأسلوب حياة، لا كعذر لقمع كل ذلك.