هذا الحريق إلى أين؟

TT

في موجة الانتفاضات، أو الثورات، التي تجتاح عددا من دول منطقتنا، غاب صوت العقل، وطغى النفاق للجماهير، وهو لا يقل خطورة عن النفاق للسلطان، وهذا أمر يشترك فيه إعلام، ودول، ومثقفون.

فلا يجوز أن نقارن ليبيا بأي دولة عربية، خصوصا مستوى الجنون الذي حكم به القذافي البلاد، كما أن تونس ليست مصر.. مثلما أن مصر ليست البحرين، وهكذا. وذلك نظرا لعدة عوامل داخلية، وخارجية، وحتى على مستوى أنظمة الحكم. وعليه، فلا توجد وصفة واحدة لكل منطقتنا.

نعم هناك مطالب مستحقة للإصلاح، سياسيا، واقتصاديا، لكن بعض الدول تحتاج إليه بشكل أسرع من دول أخرى، فالأوضاع متفاوتة. وهناك دول تحتاج إلى حراك ديمقراطي، لكن ليس بشكل واحد متشابه، فلا وصفة موحدة أيضا في هذا المجال. ولذا، فإن الواجب هو أن نناقش ما يحدث في منطقتنا بتعقل أكبر، خصوصا أننا لم نر تجربة واحدة من الدول الثائرة بمنطقتنا قد تقدمت بشكل سريع، بل إن بعضها يحتاج إلى مزيد من التبصر، والخبرات، لتتحرك عجلة البناء. فما نشاهده في بعض الدول اليوم هو الإمعان في نبش الماضي، وليس التكاتف للبناء. وعندما نقول الإمعان بالتبصر فذلك ليس نبذا، أو تقليلا، لمفهوم الحريات والديمقراطية، ولكن لتفادي الوقوع في أزمات مستمرة، ولكي لا تقودنا عاطفتنا.

نقول ذلك لأن الأمور لا تسير بكل بساطة حسب ما يصور البعض، وأبسط مثال هنا، وفيما يتعلق بالدول، ما قالته أمس وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حيث أعلنت أن دعم عمليات الانتقال السياسية في العالم العربي «ضرورة استراتيجية»، وها هي أميركا، وبعض الدول الأوروبية تلوح باستخدام القوة ضد نظام القذافي، وكل ذلك مفهوم، ودعنا نقول إنه مقبول أيضا. لكن السؤال هو: وماذا عن التغيير في إيران؟ وما الذي بوسع واشنطن، والغرب، فعله مع النظام الإيراني الذي يرهب زعيمي المعارضة الإيرانية كروبي وموسوي ما بين اعتقال أو اقامة جبرية في مكان غير معلوم؟ هل ستقوم أميركا أيضا بدعم المعارضة الإيرانية، وتقوم بتدخل عسكري، أم أن المسألة مرهونة بالعرب فقط؟ وإذا كانت هذه هي الحالة، فما الذي بوسع واشنطن فعله لو انفرط العقد، لا قدر الله، في اليمن، بحيث أصر الرئيس اليمني على البقاء، وأصرت المعارضة على رحيله.. فهل ستتدخل أميركا بالقوة، خصوصا أن في واشنطن من يقول إنه يخشى أن تسيطر «القاعدة» على المشهد هناك! وهذا أمر محير، فكيف تدعم أميركا التغيير في المنطقة وتعتبره استراتيجيا، لكنها تخشاه في اليمن، مثلا، أو تصمت عن 13 قتيلا في مظاهرات العراق؟

كل ما سبق أسئلة مستحقة، وليست للتشكيك في الحرية والديمقراطية، وإنما هي دعوة لعدم تبسيط الحقوق والمطالب، وتسطيحها، لكي لا يعم الخراب في الوقت الذي نتمنى فيه أن يعم الإصلاح، والرخاء. لكن بالمقابل، فإن على جميع الحكومات العربية أن تسرع من وتيرة الإصلاح اليوم لأنه أمر مستحق، وملح جدا، ولكي تجنب نفسها هذا الحريق الهائل الذي ينتشر بلا عقل أو تعقل، خصوصا أن للحكومات العربية دورا فيما وصلنا إليه اليوم دون شك.

[email protected]