مات أستاذنا ومعلمنا الشيخ «دهليز»!

TT

مات أستاذ الفرفشة والمسخرة والجرأة الشيخ إبراهيم مصطفى الشربيني، الشهير بالشيخ «دهليز»، وقد فتنت به صغيرا.. والرجل أعمى، وكنا نتناوب مساعدته. وهو رجل ظريف وابن نكتة ويحفظ شعرا ويقول شعرا. ولا نعرف إن كان ذلك كله من تأليفه. وهو يرقص ويطبل ويسعد الناس. ونحن نمشي وراءه. ونكذب على أمهاتنا بأننا نذاكر عند فلان أو عند علان. ولحسن الحظ أنهن يصدقننا؛ فقد كنا طلبة مجتهدين.

هل كان الشيخ «دهليز» مخمورا؟ لا أعرف. هل كان يتعاطى حبوبا للفرفشة؟ لم نره يدخن حشيشا.. ثم إننا لا نعرف ولم نسأل من أين جاء، وأين تعلم.. وإن كان له أقارب.. ثم لماذا استقر في المنصورة وانفتحت له كل البيوت مع الحفاوة به وترقب حضوره في أي وقت؟

وكانت في المنصورة راقصة مشهورة اسمها وطنية، وكان ملازما لها.. وفي أول الليل يطلب منا أن نذهب إلى بيت فلان، حيث ترقص وطنية.. ونذهب. ويقف الناس كلهم تحية لهذا الشاب في العشرينات. وتحتفل به الراقصة وتحتضنه وتقبله من هنا ومن هنا. ويقترح أن يكون أول المغنين.

وأنا أندهش كيف كنت أنطلق معه.. أساعده على الوقوف والجلوس وأردد وراءه القصائد التي سمعتها أكثر من مرة فحفظتها، وأنا أحب الغناء، وفي أسرة أمي عدد كبير من أصحاب الأصوات الجميلة، رجالا ونساء. وكنا نغني.. أما الرقص فلا. ويقف الشيخ «دهليز» في وسط المسرح ويقول: ساعدني يا أنيس!

فأصعد المسرح - ولا أعرف كيف واتتني الجرأة – ويسألني: ما الذي أغنيه؟ فأقول: قصيدة كذا.. ويبدأ في الغناء والرقص.. هو الذي يرقص ويتثنى ويتكسر ويتمايس، وأحيانا تقع العمامة فيتركها على الأرض. ولم يحدث مرة واحدة أن داسها وهو يرقص. كيف ذلك؟ لا أعرف.

وكانت له خصلة نادرة: أنه يعرفنا بروائحنا، فيقول: فلان حضر. ويكون هذا صحيحا. وقد جربناه أكثر من مرة وتأكدنا أنه يعرفنا بروائحنا كالكلاب والقطط!

بعض الزملاء يكمل السهرة معه حتى الصباح. وفي اليوم التالي نسأل: ماذا فعل الشيخ «دهليز»؟ ماذا قال؟ وماذا غنى؟ وما آخر النكت والقفشات؟

وقد شغل من حياتنا أياما لا تنسى.. كشف عن أعماقنا.. وأننا محرومون من الفرفشة والانطلاق.. يرحم الله الشيخ «دهليز». لقد اختفى في سنواته الأخيرة. وكان لا بد أن أذهب لأقرأ الفاتحة وأتمنى له الرحمة، فلم يكن شريرا ولا سكيرا، وكان يصلي ويصوم ويبتهل ويرتل القرآن.. ثم يسعد الجميع كل ليلة!