لو كنت مباركا

TT

من المشاكل التي كثيرا ما وقعنا فيها، نحن المغتربين العرب، أول وصولنا لبريطانيا عدم قولنا «أشكرك» Thank you لمن يؤدي لنا خدمة، ولا كلمة «متأسف» Sorry عندما نرتكب خطأ. كثيرا ما امتعض منا الإنجليز عن ذلك. أتذكر أن بائع تذاكر القطار نادى علي أن أعود بعد أن سلمني التذكرة، وذهبت ليقول لي بغضب: «ألا تعرف كلمة أشكرك؟!». إنهم يوظفون الكلمتين توظيفا مفيدا في أسوأ المواقف وأجملها. ترى المرأة زوجها يخونها مع الشغالة. ما عليه غير أن يقول لها «سوري»، حتى لا تملك غير أن تغفر له وتسكت. ولهذه الكلمة مكانتها المهمة في حياتهم السياسية. ألا نتذكر ما فعله بروفيومو ومكملان عندما اعتذرا للمجلس في فضيحة كريستين كيلر؟ وقبل أيام قليلة، اعتذرت وزيرة البيئة للمجلس عن خطئها في خصخصة الغابات.

لا يوجد في تراثنا مرادف حقيقي لهاتين الكلمتين، لا لغويا ولا سلوكيا. استوردنا كلتا الكلمتين منهم وترجمناهما للعربية. ويظهر أن مركب النقص المستأصل فينا يمنعنا من الاعتراف بخطئنا والاعتذار عنه. فالاعتراف بالخطأ يتطلب شخصية قوية واثقة بنفسها.

حاول حسني مبارك وزين العابدين البقاء في منصبيهما والاحتفاظ بمكانتهما واستعملا شتى الذرائع حتى إطلاق الرصاص والاستعانة بالبلطجية ولم يوفقا في ذلك. الوسيلة الوحيدة التي كان بإمكانها أن تنقذ سمعتهما ومكانتهما ومنصبيهما وتحولهما إلى بطلين يعتز بهما التاريخ العربي ويصبحان قدوة للجميع، هو أن يقف كل منهما ويواجه الجمهور على التلفزيون، وبدلا من تلك الكلمات التي لم تجلب له غير المزيد من الخزي والاستخفاف ويقول «سوري» متأسف. أنا وأسرتي أخذنا ما أخذنا تجاوزا وخطأ منا. وعلينا الآن أن نعيد ما أخذناه بالكامل إلى شعبنا. وسأوظفها في بناء مستشفيات ومدارس ومياتم ومؤسسات تخدم هذه الأمة. وسأكرس بقية حياتي في تنفيذ هذه المشاريع. هذا في الواقع ما فعله بروفيومو بعد اعتذاره للمجلس، فكرس بقية حياته للخدمات الاجتماعية لسكان شرق لندن الفقراء.). وبالمناسبة، لا أدري لماذا يعتقد الإرهابيون أن قتل الأبرياء يوصلهم للجنة بدلا من خدمة الأبرياء الضعفاء والمحتاجين)؟!

يستطيع بمثل هذا العمل البطولي والإنساني أن يقضي بقية حياته كزعيم عربي معززا مكرما مغفورا له أمام الله والوطن، بدلا من أن يقضي سنوات عمره في التهرب من الانتقام، ومن الدخول في دعاوى لا أول لها ولا آخر، في حماية أمواله من المصادرة القضائية.